مقالات

“إدلب” المنطقة العازلة وتسمين الإرهاب

من خلال مراقبة الأحداث الأخيرة والتطورات السياسية والعسكرية في سوريا، والتي ارتكزت جلَّها حول مسألة إدلب والعملية العسكرية التي عزم الروس والنظام القيام بها ضد “راكبي الباصات الخضر” متعددي الجنسيات والتوجهات الراديكالية الإرهابية، والتي انتهت باتفاق روسي تركي في السابع عشر من الشهر الجاري، والذي يقضي بإقامة منطقة عازلة منزوعة السلاح تفصل بين مناطق نفوذ النظام  وما تسمى بالمعارضة السورية تحت مراقبة روسية تركية.

لن نعلق كثيراً على مسألة استبعاد إيران عن قمة سوتشي وأسباب إقصائها، لأن مسألة إخراج إيران من الملف السوري باتت من ضمن النقاط المتفق عليها بين الروس والأمريكان وفُرضت على النظام وتركيا كأمر واقع.

ولكن الأهم في ذلك إلى ماذا تهدف تلك الاتفاقية؟ ومن المستفيد الأكبر.. تركيا أم روسيا، أم كلا الطرفين ؟.. وما الدور والموقف الغربي “الأمريكي” من كل ذلك؟.

لاشك أن تركيا بذلت جهوداً كبيرة طيلة الأزمة السورية في سبيل جذب و استقطاب المعارضة السورية المتمثلة بالائتلاف السوري المعارض بكافة تشكيلاتها العسكرية بالإضافة إلى تنظيم داعش وجبهة النصرة إلى جانبها لأهداف عِدة، منها اقتصادية وسياسية وعسكرية، ولا بد من الاعتراف بأنها نجحت في ذلك وبامتياز. حيث استطاعت من خلالهم تشكيل جيش ارتزاقي لا يؤتمرون إلّا بأمرها.

فبهؤلاء أحتلت تركيا المدن السورية وبهم نهبت الثروات السورية وبهم فعلت وتفعل وتحولت لثقل في المعادلة الحالية.. حتى بات هذا الجيش بمثابة اليد الضاربة لها في المنطقة، خاصة ضد مكتسبات الشعب الكردي سواء في سوريا أو في العراق أو في داخلها.

لذلك كانت غالبية التوقعات السياسية تتجه نحو استحالة قبول تركيا بالضربة الروسية لإدلب حتى لو وصل الأمر بها للمواجهة المباشرة مع الروس في سبيل الحفاظ على ربيباتها من الجماعات الإرهابية الخليطة التي تؤمِّن لها وجودها كدولة إقليمية فاعلة، فضلاً عن موقع إدلب الجيوسياسي النافذ على المياه الدافئة، والذي تعتبره تركيا آخر منطقة جيوغرافية تستطيع من خلالها ابتزاز الروس والأمريكان معاً، لهذا كان المأزق التركي الحقيقي في سوريا، وهو الحفاظ على إدلب بمن فيها بشتى الوسائل المتاحة لديها، حتى لو اضطر الأمر إلى تنازلات أخرى للروس على غرار ما قامت به في الغوطة ودرعا وغيرها، ولكن هذه المرة لم تكن في سياق تبادل مناطق النفوذ، إنما كانت في سياق التسليم الكامل للروس كحليف استراتيجي في مواجهة الحلف الخماسي الذي يجمع الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية والأردن.

أما بشأن روسيا فقد استطاعت على أقل تقدير المحافظة على توازنها السياسي مع الحلف الغربي بمعزل عن إيران والنظام، وترك مساحة أوسع لها في شمال غرب سوريا، مع ضمان الولاء التركي لها في تمرير سياساتها في سوريا، بالإضافة لترك جبهة النصرة وملحقاتها فترة أطول لتسمينها تحضيراً لذبحها على مائدة توافقها مع تركيا بالشكل النهائي.

أما فيما يتعلق بالوضع والموقف الغربي الأمريكي، فقد كان شبه واضح قبل قمة سوتشي التي جمعت أردوغان وبوتين، وهو عدم تقبلهم فكرة سيطرة النظام والروس على إدلب وقد كانت مواقفهم علنية، ولكن ليست بالنتيجة التي توصل إليها روسيا وتركيا، خاصة في ظل تهديدات الرئيس التركي المتجددة لمنطقة الشهباء ومنبج وشرق الفرات، والتي تعتبرها أمريكا المنطقة الوحيدة التي تستطيع من خلالها الحفاظ على وجودها في سوريا، في سياق تحالفها مع إدارات تلك المناطق ومظلتيها السياسية والعسكرية “مسد”و”قسد” وهذا ما يفتح الأبواب على بزوغ محاور نزاع أخرى بين الأطراف الدولية. روسيا وتركيا وملحقاتهما، والحلف الخماسي الذي بات يعرف “بالمجموعة المصغرة” الذي وضَّح رؤيته التي تختلف عن الرؤية التركية الروسية بشأن الحل في سوريا.. من خلال تلك المبادئ المسربة التي من المفترض أن تكون قد تم تسليمها للمبعوث الأممي ستيفان ديمستورا..

زر الذهاب إلى الأعلى