تقاريرمانشيت

أوجلان من أومِرْلِي إلى إيمرالي

تحقيق: مصطفى عبدو

كيف يتحدث أوجلان؟

– حركتنا من الناحية الإيديولوجية في ظهورها وتطورها وبروزها تشبه ظهور الديانات السماوية من حيث هاجس البحث عن العدالة والتحرر، فنحن نتطلع إلى حياة جديدة تتفهم الماضي العريق للشعوب وحضاراتها، ونتطلع إلى تمثل هذه الحضارات على قدم المساواة وبكامل الحرية وهذا ما يجعل حركتنا متطورة ومتجددة باستمرار.

– كردستان تصلح نواة لفيدرالية الشرق الأوسط.

– سواء وُجد حزب العمال الكردستاني أم لا، فأن أنقرة ستعمل على تهديد سوريا.

– الحل الذي نتطلع إليه هو إقامة سلطة شعبية تعتمد المساواة بين شعوب المنطقة وتمنحها الحرية الكاملة للتعبير عن ثقافاتها وتطلعاتها هذه هي رغبتنا الأساسية.

– إن نظاماً سياسياً راسخاً يعتمد على تضامن وتآخي شعوب المنطقة هو ما نراه حلاً مناسباً لجميع شعوب الشرق الأوسط.

– التكوين الأساسي للكمالية بأبعادها الأيديولوجية والسياسية لا يمكنها تقبل أيَّة سُبل ديمقراطية أو إنسانية وبالتالي لا يمكنها أن تختار سوى مستنقعات الدم.

– هناك أسباب اجتماعية وسياسية ووطنية تاريخية كثيرة تَحُولُ دون تطور العلاقات الإيجابية بين سوريا وتركيا ولم نكن يوماً سبباً في خلافاتهم.

– إن شعوب الشرق الأوسط عندما تواجدت في ظل تكوين سياسي موحد عبر تاريخها، استطاعت تحقيق مدنيات وحضارات كبيرة, فلماذا لا نقوم بتقوية روابط شعوب هذا الشرق الأوسط وتمتين الأواصر التاريخية بينها ليكون حاضراً وحوضاً تاريخياً جغرافياً اقتصادياً واسعاً؟

– لو قرأنا الحدود الجغرافية المرسومة للشرق الأوسط الراهن لتأكدنا أن هذه الحدود قد تم رسمها استعمارياً؛ إنها حدود قد رسمت بأقلام مشابهة لأقلام سايكس –بيكو ومن ثم تم فرضها على شعوب المنطقة عنوة وما زالت هذه الحدود تتناقض جذرياً مع التطلعات الوطنية والثقافية والسياسية لشعوب هذه المنطقة، فلماذا لا يكون هناك توجه لحلول تعتمد على الإرادات السياسية لشعوبنا؟

– أصبحت حركتنا مصدر إلهام ثوري لجميع شعوب الشرق الأوسط وإذا ما نجحنا فأن شعوب الشرق الأوسط جميعها ستكون قد نجحت من خلال نجاح حركتنا في رسم تاريخها الجديد ونحن واثقون من النجاح اليوم أكثر من أي وقت آخر.

“عبد الله أوجلان في حوار مع مجلة الأوج العدد 9آذار سنة 1998”

“لم يكن هناك أي مبرر للبربرية، كل ما دعونا إليه هو المطالبة بأخوَّة الشعوب في تلك البقعة الجغرافية وطالبنا بهويتنا والإخاء.

فهل طالبنا أحد بأكثر من ذلك …؟ ألم يكن من الأفضل أن يتصرفوا كآدميين بدلاً من فرض الويلات والكوارث …؟”

“عبد الله أوجلان مسيرة روما سنة 1998”

هذه الكلمات قلة قليلة بما تحدث به قائد الشعوب عبد الله أوجلان.

فمن يكون أوجلان …؟

درس الابتدائية في قرية “جبين” القريبة من قريته أومرلي في آورفا موطن إبراهيم خليل؛ تأثر بالانقلاب الذي حصل في 27 أيار عام 1960 كثيراً، وهو في المرحلة الابتدائية، وسبب هذا الحادث تطور الاهتمام السياسي لديه، كان ابتعاده الأول من القرية بمثابة تمرده داخل الأسرة، حيث كانت مسيرته إلى بلدة (نزيب) ليقيم عند أخته، بدأ بالدراسة الإعدادية في عام 1963 في نزيب، حيث كان في المدرسة التلميذ المجتهد والمحبوب من أساتذته، واستطاع شد انتباههم وكسب ثقتهم، وبعد الدراسة الإعدادية كان يُفضِّل مواصلة التعليم في الثانوية العامة وليس دار المعلمين، ونتيجة صعوبة الحصول على المال اللازم؛ بقي الخيار أمامه هو إما الثانوية المجانية وإما الأكاديمية المهنية؛ حيث كان نجاحه في ثانوية المساحة والطابو المهنية بمثابة مرحلة العبور له، وتلك المدرسة كانت في مركز أنقرة، ودرس فيها من عام 1966 – 1969، ونجح في صفوفها كاملة، حيث استمر في تكوين جماعات الصلاة في الثانوية أيضاً، وذهب إلى جمعيات القوميين المتطرفين وجمعيات محاربة الشيوعية.

نشأ أوجلان وهو الأكبر بين إخوته السبعة، وفي بيئة يسودها العنف والإحباط. قال مرة «تفتحت عيناي على الاقتتال الدائم داخل أسرتي، كانت فيها تعاسة طاغية»، إذ إن أوجلان غالبًا ما يشير في حواراته وخطبه إلى طفولته، وما مرّ به فيها، ليبين كيف تعلم أهمية الانتقام واستخدام العنف، ولم يقتصر أمر والد أوجلان على كونه أشد فقرًا من أقرانه، بل كان فيما يبدو ضعيف الشخصية، يشعر بالضآلة سواء أمام أهل قريته أو أمام زوجته؛ «بل إن أقاربه أنفسهم ما كانوا يحفلون به، وكان يلقى الأذى منهم، كان بينهم كما لو لم يكن له وجود، كأنه مات»، وهذه هي كلمات أوجلان نفسه خلال حوارات عدة له.

في المقابل كانت أم أوجلان صلبة قوية الشخصية سريعة الغضب؛ لا تبالي بشيء، تهين زوجها على الملأ لعجزه عن التكفل باحتياجات بيته.

كلا الأبوين دفعا ابنهما البِكر إلى العنف والعدوانية؛ حتى إنه تعرض ذات يوم للضرب من أترابه، فعاد إلى البيت باكياً، فنهرته أمه ودفعته خارج البيت آمرة إياه ألا يعود قبل أن يثأر لنفسه؛ ولطالما قال أوجلان إن طبيعته الخجولة لم تكن تتسق مع مثل هذا الموقف، لكنه أحاط نفسه بسمعة الطفل القاسي البارد الأعصاب، وقال: «رغم أنني أُجبِرتُ على هذا في المرة الأولى، إلا أن رغبتي في العمل من أجل الثأر بدأت في ذلك اليوم».

زواج أخته “هافا” كانت من أشد الصدمات وقعاً على نفسه في عهد طفولته، حيث كانت الأقرب إليه من بين إخوته.

لم يكن للحب دور في مثل تلك الزيجات، ولا كانت للعروس كلمة، وفيما بعد قال أوجلان إنه رأى في مثل تلك الزيجات قتلا للمرأة، إن زيجة (هافا) تركت أثراً كبيراً على مناصرة أوجلان لتحرير المرأة من قمع العلاقات التقليدية الكردية بين الذكر والأنثى.

التطور السياسي لدى أوجلان

تطور لدى أوجلان الاهتمام باليسار منذ السنة الأخيرة من المرحلة الثانوية، ووصل إلى درجة من الوعي المحدود نتيجة وجود اليمينية واليسارية في الأجواء، الأمر الذي دفعه إلى عدم اتخاذ القرارات دون فهمها، في عام 1968 وصل إلى مفترق الطرق، وتجاوب مع وقع أقدام اليسار في عام 1969، لكن عقله كان قد تحول إلى مركز للشكوك تماماً، ولم يكن يكتفى بالشعارات.

بدأ بعمله في عام 1970 في آمد كموظف فني في دائرة المساحة، وكان ينضم إلى النقاشات السياسية كثيراً، لكن هدفه كان النجاح في المواد المختلفة للثانوية ليذهب إلى الجامعة، ونجح في امتحان قبول الجامعة، حيث حصل على حق الدخول إلى كلية الحقوق في جامعة اسطنبول، وهناك كان يدرس ويعمل، وأصبح عضواً فعالاً في جمعية الشرق الثورية للثقافة في سنوات 1970 – 1971 حتى انقلاب 12 آذار 1971. وفي عام 1971 – 1972 سجل في كلية العلوم السياسية، ونجح فيها وتعلم السياسة في كلية العلوم السياسية، وعندما تعرضت الكوادر اليسارية للتصفية نتيجة انقلاب 12 آذار فتح الطريق أمامه، وقضى ثلاث سنوات في أنقرة، وحقق هناك المزيد من التقدم، وكان مؤيداً طبيعياً لجبهة حزب التحرير الشعب التركي، وعندما لم يرَ ما يبحث عنه لديهم بدأ بتركيز جهوده على طريقه الخاص وبالاستعدادات اعتماداً على القضية الكردية، حيث كان يصعب العمل معهم نتيجة مواقفهم الشوفينية، ونتيجة الإضراب الذى نظموه بمناسبة استشهاد (ماهر جايان) ورفاقه للمرة الأولى تم اعتقاله لمدة سبعة أشهر، ونظراً لعدم توفر الشهود والأدلة القطعية عليه استطاع التخلص من العقوبة، التي كانت تصل إلى خمس عشرة سنة، وفي هذه الفترة كان قد تم تصفية (دنيز كشميش) ورفيقيه، وكذلك (إبراهيم قايباقايا) خلال التعذيب، وقد أسفر كل هذا عن سحق اليسار بدرجة كبيرة، وخرج من سجن ماماك مع نهاية عام 1972، وقام بالإعداد لتأسيس مجموعة مستقلة تماماً، حيث عقد أول اجتماع للمجموعة التي كان عددها (ستة أشخاص) في نيسان عام 1973 في أنقرة بالقرب من سد جوبوق، وكانوا يتناولون أطروحة «كردستان مستعمرة» أساساً لهم. وفي السنة الأولى استطاع أن يكسب ثقة مجموعة من الشباب الجامعيين، وفى سنوات 1974- 1975 قام بمهمة رئاسة جمعية التعليم العالي الديمقراطي في أنقرة؛ وتم انقطاعهم من اليسار تماماً في عام 1976 بصورة جذرية، وتوصلوا إلى قرار الانفتاح على كردستان، وفى الاجتماع الأول من عام 1976 تقرر إرسال رفاقه إلى كردستان، ومنذ ذلك الوقت تمت تسميتهم بالآبوجيين. وباستشهاد رفيقه (حقي قرار) التركي الأصل في عنتاب 1977 نتيجة مؤامرة دنيئة، قرروا إعداد برنامج للرد على المؤامرة، وبعدها تم التوجه إلى آمد، حيث عقد اجتماع يضم ثلاثة وعشرين شخصاً في قرية (فيس) ليتم اتخاذ قرار تأسيس الحزب، وذلك في 1978، وسمِّيَ باسم “حزب العمال الكردستاني”، ومع توجه الدولة التركية نحو الانقلاب العسكري في 12 أيلول 1980 لم يبقَ أمامهم سوى الخروج من الوطن أو اللجوء إلى الجبال والمقاومة، وباعتقال رفاقه مثل (شاهين دونمز) و(يلدرم مركيت)، تم اتخاذ القرار بالانفتاح إلى الشرق الأوسط، حيث انطلق من أورفا بتاريخ 2 تموز 1979.

انصبت جهود أوجلان في الشرق الأوسط خلال الفترة بين 1979 – 1999 على القيام بالكثير من الأنشطة، ويمكن توضيح الخطوط العريضة لمواقفه:

– بذل الكثير من الجهود كي لا يفقد إرادته الحرة، لأنه يصعب في منطقة الشرق الأوسط البحث عن علاقة ضمن الإرادة الديمقراطية المعاصرة.

– حماية إرادة التحرر.

– الدفاع عن الهوية الكردية على أساس التحرر.

إلى جانب النشاطات الأساسية الثلاثة كان له أنشطة أخرى على الصعيد الدبلوماسي لأجل إعلاء شأن الشعب الكردي، الذي وصل إلى مستوى الانحطاط الكبير نتيجة للدبلوماسية الكردية المتواطئة، لأنه كان ينظر بأن القضية ليست ممارسة الدبلوماسية مع الشرائح التي تبدو كبيرة على الصعيد الرسمي، بل المطلوب هو إشعار كل المنطقة وكل القوى العالمية بأن هذا الشعب ليس وسيلة رخيصة للتجارة، ولا يتحول إلى أداة للمؤامرات والألاعيب السياسية، وأن حرية الشعب الكردي لن تكون موضوعاً للمساومات، وعلى الأعداء والأصدقاء أن يدركوا هذه الحقيقة؛ من باب أن مصلحة الشعب الكردي تكمن في سلام مشرِّف وتفعيل النظام الديمقراطي، وأن الحروب المفروضة على الشعب الكردي أصبحت حروباً لن يستفيد منها حتى الطرف الغالب، ومهما استمرت الحروب طويلًاً، فإنها تجلب الخسائر لكلا الطرفين، ولذلك لا سبيل للحل أمام الشعوب إلا العمل بالحريات المعاصرة، وضرورة معايشة الشعب الكردي بحرية ضمن الوحدة الحرة مع كل شعب.

إعلان وقف إطلاق النار

في الأول من أيلول عام 1998 أعلن أوجلان عن وقف إطلاق النار من طرف واحد، والتوجه نحو الحوار والقيام بكتابة عدة رسائل إلى المسؤولين الكبار في تركيا, لكن مبادرته هذه لم تلق آذاناً صاغية مرة أخرى.

مؤلفات ومنشورات أوجلان

يوجد حتى الآن أكثر من أربعين ألف من الصفحات والتحليلات للقائد أوجلان، حيث تم نشر ثلاثمئة كتاب من كتبه، سبعون منها نشرت وتوزعت، و230 كتاباً نشر ووزِّع بين كوادره، وخلال السنوات الأخيرة كتب السيد أوجلان سبعة كُتب والعديد من المقالات المتنوعة، ومعظم هذه الكتب؛ كُتِبَ باللغة التركية، وتمت ترجمة العديد منها إلى اللغات العالمية، وخاصة مرافعاته في سجن إيمرالي، حيث ترجمت إلى الإنجليزية والعربية والفرنسية والإيطالية والروسية والبلغارية وغيرها من اللغات.

من هذه الكتب التي ترجمت إلى لغات عديدة منها العربية والفرنسية والروسية والبلغارية: 1-مسألة الشخصية في كردستان وخصائص المناضل الثوري. 2- الظاهرة الكردية في الشرق الأوسط وسبل الحل المحتمل. 3- حوار مع المفكر (يالجين كوجك). 4- حوار مع نبيل الملحم حمل عنوان قائد وشعب. 5- من دولة الكهنة السومرية نحو الحضارة الديمقراطية جزأن. 6-مانيفستو الحضارة الديمقراطية 7- كيف نعيش 8- مسيرة روما ويضم هذا الكتاب عدداً من البيانات الصادرة من أوجلان. 9-عبد الله أوجلان مختارات، الكتاب عبارة عن لقاءات وبيانات. إلى جانب العديد من المؤلفات الأخرى، كما أن له مصنفات في مجال السياسة.

اعتقال أوجلان

نجحت المخابرات التركية وبمؤامرة كونية في اعتقاله يوم 15 شباط 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، حيث نُقِل بطائرة خاصة إلى تركيا، ومنذ ذلك الوقت وهو محجوز بشكل انفرادي في جزيرة ايمرالي في بحر مرمرة، وصدر بحقه حكم الإعدام ثم تحول فيما بعد إلى السجن مدى الحياة، بعد أن ألغت أنقرة عقوبة الإعدام في آب 2002، وفي تشرين الأول 2014 وجه عبد الله أوجلان رسالة إلى الحكومة التركية والأطراف الكردية شدد فيها على ضرورة التمسك بالسلام، وحذر من داخل السجن من مخططات إفشال مسيرة السلام، وفى نهاية شباط 2015 دعا أوجلان أنصاره إلى السعي لإنهاء الصراع المسلح مع تركيا -الذى استمر 30 عاماً- معتبراً أن الحاجة ماسَّة إلى قرارٍ وصفه بالتاريخي للتوصل إلى «حل ديمقراطي».

أوجلان والمرأة

كرَّس قائد الشعب الكردي عبد الله أوجلان حياته في سبيل تحرير المرأة وتحقيق مشروع الأمة الديمقراطية، وفي سبيل تحرير الشعوب المضطهدة وهذا مما دفع الأعداء إلى اعتقال القائد عبد الله أوجلان بمؤامرة دولية تم التخطيط لها مسبقاً في محاولةٍ لإفشال مشروع الأمة الديمقراطية.

تفهم القائد خصوصية وعقلية المرأة وساندها للنهوض بنفسها أمام عادات وتقاليد المجتمع البالية التي حاصرت المرأة وجعلتها عبيدةً للرجل.

مقاومة إيمرالي وعفرين أفشلت جميع المؤامرات

إن مقاومة إيمرالي ومقاومة عفرين أفشلتا المؤامرة الدولية، كما أن المؤامرة لم تنتهي هنا ولم يتم القضاء عليها كلياً، لأن الأنظمة التي تعتمد على الحرب بين الشعوب، وإشعال الفتنة بين مكونات المنطقة مازالت موجودة ونحن بدورنا نحييِّ روح مقاومة عفرين ونعبر عن حبنا لقائد الحياة الحرة، قائد الشعوب المطالبة بالحرية، قائد المرأة الحرة، القائد (آبو)، وننحني أمام مقاومة ايمرالي المستمرة حتى الآن.

بنفس الوقت نستنكر هذه المؤامرة وكل الأطراف المشاركة فيها.

بدون شك مؤامرة 15شباط سُجلت كمؤامرة قذرة وستظل كذلك، وكل الفاعلين في هذه الحادثة ستظل أسماءهم مكتوبة بالقلم الأسود في التاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى