المجتمعمانشيت

أهلاً بكم في قرية (جنوار) وهي قريةٌ للنّساء فقط في سوريا

(جنوار)

وهي قريةٌ للنّساء فقط في سوريا، ترغب في تحطيم النّظام الأبوي

هذا المكان مخصص للنساء الراغبات في الوقوف على أقدامهن”

(ريتشارد هول)

في نهاية طريقٍ طويلٍ مغمورٍ في سهول شمال سوريا، امرأةٌ شابّةٌ على كتفها بندقيةٌ تحرس مدخل قرية (جنوار) المعزولة.

ثلاثون بيتاً من الطّوب, مزينةٌ ببقعٍ من الّلونين الأرجوانيّ والأزرق, وتحيط بها قطعةٌ كبيرةٌ من الأراضي الزّراعيّة حيث تنمو الخضروات.

ربّما لا تكون منطقة الحرب هي المكان الأكثر وضوحاً لليوتوبيا النّسويّة, ولكن هنا في ركنٍ بعيدٍ من بلدٍ دمّره الصّراع الدّائر، تمّ بناء هذه القرية الصّغيرة على مدار العامين الماضيين لتأوي النساء اللواتي هربن من الفوضى المحيطة بهنّ, وهي عبارةٌ عن بيئةٍ مستدامةٍ وذاتيّةٍ للنّساء ولا يمكن للرّجال الإقامة فيها.

تقول (زينب جعفري) وهي إحدى المقيمات في القرية والبالغة من العمر 28 عاماً:

لا توجد حاجةٌ للرّجال هنا، وحياتنا جيدة, فهذا المكان مخصّصٌ للنّساء الرّاغبات في الوقوف على أقدامهنّ.

و(جنوار) على بعد أميالٍ قليلة من قامشلو، وهي مدينةٌ في المنطقة الكرديّة في شمال شرق سوريا, وقد أقامت القرية مجموعاتٌ نسائيّةٌ محليّةٌ ومتطوّعون دوليّون لخلق مساحةٍ للنّساء ليعشن فيها, وهي خاليةٌ من قيود هياكل السّلطة القمعيّة للنّظام الأبوي والرّأسماليّة.

بُنيت المنازل هنا من قبل النّساء, وتتناثر لوحاتٌ جداريّةٌ وتماثيل النّساء في مكان العمل حول الموقع، وفي وسطه توجد حديقةٌ من زهور المروج, إنّه تباينٌ متناقضٌ مع القرى المحيطة بها.

إنّ بناؤها في شمال سوريا ليس صدفة, فقبل بضع سنواتٍ كانت المنطقة بأكملها تعيش في ظلّ خلافة داعش, التي استولت على مساحاتٍ شاسعةٍ من الأراضي عندما حقّقت تقدّماً إلى الجنوب وإلى الشّرق من المنطقة الكرديّة، وعبر الحدود إلى داخل العراق, ونفّذت واحدةً من أفظع أعمالها الوحشيّة في بلدة سنجار (أقلّ من مائة ميلٍ شرقاً), تمّ ذبح الآلاف من الإيزيديين، وما زالت الآلاف من النّساء مختطفاتٍ لاستخدامهنّ كرقيق جنس.

وردّاً على هذه الموجة من الوحشيّة حملت العديد من النّساء الكرديّات السّلاح لمحاربة المجموعة المتطرّفة, قصّة النساء اللواتي يواجهن داعش الّتي استهدفت استعبادهنّ استقطبت انتباه العالم.

ويرى مؤسسو قرية (جنوار) بأنّ مشروعهم هو استمرارٌ لثورة المرأة الّتي دفعت هؤلاء النّساء إلى مغادرة أسرهنّ والذّهاب إلى الحرب, في حين أنّ العالم قد يعرف الكرد من خلال صور النّساء اللواتي يقاتلن في الخطوط الأماميّة، فإنّ المجتمع الكردي لا يزال محافظاً جداً.

بُنيت (جنوار) كمكانٍ للنّساء من أجل الهروب من الأدوار الموجّهة للعائلة الّتي حدّدها المجتمع الأبويّ لهم, و(زينب جعفري) هي واحدةٌ منهن, تزوّجت عندما كانت صغيرة، لكن زوجها مات بعد فترةٍ ليست بطويلة.

وهي تقول: توسّلت أمي لي لعدم المجيء إلى هنا، لكنّني أتيت, لقد قمت بتربية ابني بمفردي لمدّة 10 سنوات، وعانيت الكثير.

المرأة هي الحياة والحريّة.

بدون تثقيف النّساء وتمكينهن لن تكون هناك حرية.

هذه الكلمات مكتوبةٌ على الجّدران في (جنوار).

الرسالة هنا سياسيّةٌ للغاية, فبالإضافة إلى الجّدل من أجل دورٍ أكبر للمرأة في المجتمع، تشجّع (جنوار) أيضًاً الحياة الإيكولوجيّة والمجتمعيّة كبديل للحياة الحديثة.

لكنّ (جنوار) هي أيضاً شيءٌ أبسط بكثير, فهي ملجأٌ للنساء المحتاجات للدّعم, خاصة اللواتي فقدن أحبابهنّ في الحرب.

(أميرة محمد) 33 سنة، واحدةٌ من عدد من الأرامل اللواتي جعلن من (جنوار) وطنهنّ, استُشهد زوجها وهو يقاتل داعش منذ أكثر من عام, وأُجبرت على العودة للعيش مع والديها, وأصبحت تعتمد كليّاً عليهما, وتقول:

لقد جئت إلى هنا لأنّ لديّ خمسة أطفال, ولم يكن لديّ دخلٌ أو منزلٌ أعيش فيه، وهنا يقدّمون الكثير من الفوائد مثل التّعليم للأطفال، ونفقات معيشتهم, إنّها قريةٌ جميلة، والأهمّ من ذلك أنّ أطفالي يحبون ذلك, ونحن نقوم بالزّراعة الخاصّة بنا، ونزرع الأشجار, وكلّ امرأةٍ يُزرع لها ولأطفالها الكثير, نبيع الحصاد ونستخدم العائد لدعم نفقاتنا.

تظلّ ساكنات (جنوار) مشغولاتٍ بالعمل المطلوب ليكون مستداماً ذاتيّاً, وتتناوب المجموعة على الطّهي, وتناول الوجبات معاً في مطبخٍ مشتركٍ كبير, وهناك حيوانات أيضاً للتربية, وهناك مدرسةٌ للأطفال, وتستقبل القرية بانتظامٍ الزّوار من المناطق المحليّة الّذين يأتون للتّعرف على القرية.

وإلى جانب الأرامل هناك مطلّقات، وأخريات اخترن ببساطةٍ أن يعيشن حياةً بعيدةً عن الرّجال, (نسرين قادر) البالغة من العمر سبعة عشر عاماً وتقول إنّ هناك سلبيّاتٌ للعيش حياةً منعزلة, حيث تقيم هي وأختها في القرية, وتقول:

حياتنا وحدنا مملّةٌ في بعض الأحيان, لكنّها حياة الاعتماد على الذّات، إنّها حياة المرأة الحرة.

المصدر: INDEPENDENT

ترجمة: صحيفة الاتحاد الديمقراطي

زر الذهاب إلى الأعلى