مقالات

ألا يحق لنا أن نكون جنوداً لأنفسنا؟

قهرمان مامد

لطالما تبادر إلى أذهاننا الرجوع إلى صفحات التاريخ وأخذ العِبر والشواهد لنستطيع أن نقيّم، ونضع الحلول لما قد نواجه من أزمات مجتمعية وسياسية وعسكرية ونُقدم على خطوات لنتجاوز المصاعب.

كانت ساحة الشرق الأوسط وما زالت تمثل كينونة الصراعات العسكرية والسياسية، لعله القدر أو الصدفة التي هيأت كل مكامن الصراع لتخلق معها الكوارث والمناخ المعادي وسقطت على إثره ضحايا لا حصر لها رغم أن هذه الساحة هي مهد الحضارات.

 أيُعقل أن يتحول مهد الحضارات الى مهد الحروب والنزاعات والصراعات؟ نعم وبكل أسف!

الجُندية أو العسكرة كما هو متعارف عليها، وإذا عُدنا إلى التاريخ كما قلنا سابقاً، فقد قّدم الشعب الكردي ومنذ نهاية الإمبراطورية الميدية التضحيات الجِسام والقرابين والضحايا لإمبراطوريات كانت تحكم كردستان بالحديد والنار، حيث لم تكن أهداف تلك الامبراطوريات آنذاك إلا توسيع رقعة نفوذها والسيطرة أكثر على الجغرافيا والأرض بما يضمن النهب والاستيلاء على مقدرات الاقتصاد والسياسة على حساب دماء الشباب من الكرد والعرب وبقية شعوب المنطقة الذين تم سوقهم إلى حروب الجنون وتوسيع النفوذ، والشواهد على ذلك كثيرة، فعندما نستحضر مسرح التاريخ نستطيع سرد العديد من الأمثلة التي حصلت إبان الصراعات الكبرى بين الامبراطوريات والدول.

في معركة “ملاذ كرد” عام “1071م ” قامت السلاجقة الأتراك بمحاربة البيزنطة الروم وتحقيق النصر عليهم وذلك إثر التحالف ما بين الكُرد والسلاجقة ومساعدة عشرات آلاف الفرسان الكرد للجيش السلجوقي حينها، والتي غيرت خارطة الشرق الأوسط السياسية والاجتماعية، وأدت إلى تثبيت أقدام الأتراك في هذه المنطقة المهمة الاستراتيجية وتوغلهم في الأناضول.

في معركة “جالديران” عام “1514 م ” التي وقعت بين الصفويين والعثمانيين قام إدريس البدليسي بتجنيد الالاف من الشباب الكرد لمؤازرة الدولة العثمانية والتي حققت الانتصار على الدولة الصفوية واجتاحت إثر هذا الانتصار الكثير من المناطق واحتلت العاصمة تبريز، وكل المؤرخين يؤكدون أن الدور الكردي كان الفيصل في نصر العثمانيين وسلطانهم.

معركة مرج دابق” 1516 م ” والتي من خلالها تم اجتياح كردستان الغربية وبلاد الشام وصولاً إلى مصر والبلاد العربية حيث اقتيد الالاف من الكرد لمساعدة الجيش العثماني ليواجه المماليك وتم تحقيق الفوز بالمعركة.

ثلاث معارك كبرى انتصر فيها العثمانيون، وتغيرت معها خارطة الشرق الأوسط بمؤازرة العسكرية والجندية الكردية لها.

وفي العصر الحديث وفي الدول التي اُقيمت من خلال الاتفاقيات المئوية المشؤومة على جغرافيَّة كردستان وخلال الأنظمة المتعاقبة، كان الكرد لهم القسم المهم في تأسيس جيوشهم، ونستطيع سرد العديد من الأمثلة التي لا حصر لها على اقتياد الشباب الكرد لمؤازرة الدول في حروبها وسقوطهم ضحايا في ساحات الوغى لأهداف لا مبرر لها، وليس لهم فيها ناقة ولا جمل ولا أي مصلحة للشعب الكردستاني.

في وقتنا الحالي وبعد إعلان ثورة روج افا والعمل بشكل مضني لبناء إدارة سياسية عسكرية تحافظ على وجود الشعوب والمكونات، وخاصة الشعب الكردي بعد أن مرَّ  بعصورٍ مليئة بالظلم والإفناء وإمحاء الثقافة والوجود حيث تتطلب من هذه الإدارة أن تقوم بحماية الشعوب والمكونات المنضوية تحت سقفها، وهذا لا يكتمل إلا بمنظومة دفاعية يكون واجب الدفاع الذاتي أحد أركانها الأساسية لحماية الحاضر وصنع المستقبل وتفادي كوارث الماضي. 

تحاول القوى الإقليمية والتي تُعتبر أحفاد تلك الامبراطوريات التي دمرت الشرق الأوسط وقامت بالمجازر العديدة لتخلق الفتن وتحدث القلاقل وتحرض الشخصيات الضعيفة التي تنجر وراء هذه الدول وتحارب الإدارة الذاتية الديمقراطية التي كانت ومازالت دعائمها الأساسية دماء الالاف من الشهداء والمحاربين الذين قدموا الغالي والنفيس ليحافظوا على هوية الشعب الكردي وبقية المكونات، ومطالبات إلغاء واجب الدفاع الذاتي تدخل في جهود إنهاء مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية الذي أصبح مشروعاً تستنير منه كافة الشعوب في إدارة نفسها.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم: ألا يحق لنا أن نكون جنوداً لأنفسنا ولو لمرة واحدة يا ترى؟

زر الذهاب إلى الأعلى