مقالات

أسطورة “المعجزة الديمقراطية” في البيئة المتوسطية!

“لا توجد وصفة جاهزة اسمها الديمقراطية, فهي توصيف للعمل السياسي والإعلامي والاقتصادي والتعليمي…ولا ديمقراطية مع التغييب.. يقال أن إنبات الديمقراطية في البيئة المتوسطية مستحيل, وأنا أصدق ذلك لدرجة كبيرة..” هذا ما كتبه أحد الأصدقاء على صفحته الشخصية “.

وأنا بدوري أقول: أن مشروع الإدارة الذاتية الديمقراطية بحد ذاته يعد تحدياً كبيراً لهذا المفهوم ولكثير من المسلمات التي يتم تداولها من قبل بعض النخب المثقفة والسياسيين وغيرهم, مثل عدم قابلية مجتمعات الشرق الأوسط للديمقراطية، وقدرة أنظمتها على تجديد نفسها باستمرار، وحتمية الارتهان لموازين القوى الدولية في التحول الديمقراطي.

تعتبر مناطق شمال وشرق سوريا اليوم, بالرجوع إلى هذه المعطيات، من ضمن المناطق الأكثر تأهيلاً لتحقيق انتقالها الديمقراطي على مستوى المناطق السورية والشرق الأوسط ؛ لما يتوفر فيها منطلقات الانتقال الديمقراطي وتعدد المؤشرات الإيجابية ,(بالرغم من السياسات التي مورست في هذه المنطقة تحديداً للسيطرة عليها وتطويعها).

فتم تطوير المجتمع وترسيخ ركائز الديمقراطية, من خلال بناء هياكل المجتمع الديمقراطي، وتعزيز روابط الوحدة الوطنية، وتنمية الشعور بالانتماء المشترك، وتطوير المجتمع على مختلف الأصعدة السياسية، الثقافية، الاجتماعية والاقتصادية، وتطوير وضع المرأة القانوني، إلى جانب تعزيز منظومة حقوق الإنسان، وتوسيع فضاء المشاركة السياسية، وتعميق التعددية السياسية.

لا ننكر أن المرحلة وإن بدت مقنعة في بعض وجوهها إلا أنها شهدت أيضاً أزمات ومفارقات, أزمة مشاركة سياسية رغم الحرص ، وأزمة تنمية رغم بعض النجاحات في نسب التنمية الاقتصادية، وأزمة القضاء أحياناً…

لكن ورغم هذا الواقع, فقد أفرزت المرحلة أيضاً تحسناً نسبياً ملحوظاً في الأرقام والمؤشرات العامة للحياة والنمو، فالمعطيات الآنية تدل على مدى نجاح سياسة المشروع الديمقراطي في احتواء العديد من القضايا.

ونحن اليوم نعيش في عصر جديد, يستحق الأمر منا كل العناية والإخلاص والجدية، حيث تبدو المسارات واضحة أمام المجتمعات والأنظمة, فنشهد تقدماً للخطاب الديمقراطي في المجتمعات, وبالمقابل نجد بعض المجموعات المحسوبة على تركيا من الذين تتطلب مصلحتهم تطوير الاحتلال بمحاولة خلق شرخ بين الشعوب, وكيل الاتهامات لهذا الطرف أو ذاك بهدف تشويه الحقائق. ونشهد أيضاً استمرار الأنظمة لخطاباتهم الكلاسيكية والإقصائية, وهي التي غيّبت توجهات الشعوب والمكونات في نظام شمولي، وتصور أيديولوجي، بالقضاء على كل مظاهر الاختلاف والتعددية، ومارست رقابة شاملة على المجتمع، واحتكرت كل مؤسسات الدولة والمجتمع بما يضمن لها السيطرة التامة على الأشخاص والأفكار والمعتقدات.

إجمالاً، يمكن القول: إن أسطورة “المعجزة الديمقراطية” كما قد يسميها البعض، تحطمت واستعادت رونقها عندما استخدمت بشكل فعلي وعملي وفي واقع محلي.

بقي أن نذكر, أن انتشار الفكر الديمقراطي بين الشعوب والمكونات هو التحدي الأكبر لأنظمة المنطقة، التي قدمت نفسها دوماً على أنها وحدة سياسية مستقلة منفصلة.

زر الذهاب إلى الأعلى