مقالات

أسئلة الوجع والانتصار

عبد الكريم ساروخان
حقيقة الانتصار العسكري والسياسي في ثورة روجافا
ما كان الهدف من وراء ثورة روج آفا؟ وماذا تحقق من أهدافها؟ وإلى أي مستوى تم إنجازها؟ وكيف تطورت وواكبت العصر وكيف أصبحت مسنناً اساسياً في عجلة التاريخ؟ كل هذه الأمور تتضح الآن في حالة المخاض التي تعيشها ثورتنا.
نستطيع أن نسمي هذه المرحلة مرحلة مخاض الثورة وفي هذه الحالة ، إما أننا سنسير مع الموجة التي ستنقلنا إلى بر الأمان أو سنغرق جميعنا في عرض البحر الهائج والتي تتمثل بقوى الهيمنة والقوى الإقليمية بعد أن أدركوا أن هناك تياراً قوياً بين أمواجها وبدأت تخرج عما هم خططوا له.
كنا ومازلنا نخوض ثورتنا والتي تنقسم الى مرحلتين. مرحلة عسكرية ونجحنا فيها وانتصرنا، ليس فقط على الإرهاب إنما على إرهاب الدولة من جهة بالإضافة الى نجاحنا وانتصارنا على المفاهيم التسلطية ومفهوم الدولة القومية و مفاهيم الحداثة الرأسمالية، بالأحرى أستطيع أن أقول بأننا نجحنا بخطوتنا الأولى ضد الحداثة الرأسمالية والتي تقف وراءها قوى عالمية.
وبسبب هذا النجاح تكالبت علينا القوى لطمس حقيقة ثورتنا وقوتنا والتي كانت بدايتها بمقولة للقائد اوج آلان ( بأن مسيرتنا بطولية وخطواتنا سديدة ) ولكنهم فشلوا مرة اخرى في التصدي لنا رغم الإتفاقات الثلاثية من جهة والثنائية من جهة اخرى، عدا المجموعات الإرهابية وبعض الدول الإقليمية.
أستطيع أن أنوّه بأن شعبنا بات يدرك بأنه قد أشعل ثورة حقيقية، وبداية هذه الثورة كان الرسم و التخطيط والتجهيز والترتيب ومن ثم التنفيذ، طبعاً خلال هذه الفترات من الطبيعي أن نتعرض لهجمات إرهابية من جهة وانتقادات ومؤامرات من جهة أخرى ومحاربتنا من الداخل أيضاً ولكن كنا السباقين في أخذ التدابير لأننا كنا ندرك بأنها ثورة طويلة الأمد وليست عرضية وعابرة.
وما طالَبَنا به شعبنا تم تنفيذه، وكان الجزء الأكبر منه هو الحماية والأمن والاستقرار، وكان لهم كل ذلك ونجحنا، وهناك الآلاف من المكتسبات والمنجزات، منها تشارك العرب و الكرد والسريان، ومناهج التربية والتعليم، والمنظومة الدفاعية القوية، والأمن والاستقرار الداخلي، والسياسات الصائبة في أوقات حرجة، و فرص العمل الكثيرة، كل هذه الأمور و بالخطوط العريضة فقط هي للتذكير ، لم تأتي هباء إنما أتت نتيجة تضحيات ومقاومات عظيمة وعن تخطيط ودراية.
نستطيع القول بأننا انتصرنا في المرحلة الأولى من الثورة “مرحلة التأسيس والبناء” والتي كانت من أهم منجزاتها تداول قضيتنا عالمياً وكسب تعاطف الملايين من البشر معنا ومن حولنا بما فيهم مؤسسات عالمية مدنية وحقوقية ومؤسسات رسمية ودولية و ليس رأفةً بنا وتعاطفاً إنسانياً معنا ، إنما لانبهار العالم بقوتنا وصمودنا ومقاومتنا لأشرس عدوٍ على وجه البسيطة.
هنا السؤال برسم شعبنا في روج افا، ألم نكن نعمل ونضحي من أجل كسب رأي عام دولي و عالمي أو حتى محلي للنهوض بقضيتنا باتجاه طريق الحل؟ ألم نقم بعدة ثورات وقدمنا الآلاف من الضحايا والشهداء لننعم بالأمن والاستقرار والعيش بكرامة؟
نستطيع أن نقول هاهي ثورتنا بدأت تثمر الآن ويجب أن نعمل على أن نكون حريصين على ثمارها بألّا تذهب سُدىً في العراء بل يجب أن نطور عطاءها كي تكون لائقةً بمقاومة شعبنا وتضحيات شهدائنا .
أود أن أطرح سؤالاً آخر هل كان هناك من يفكر بأن ثورتنا كانت لتنجح دون تقديم كل هذه التضحيات؟ وهل هناك من كان يفكر بأن أعداءنا سيتركوننا نسير دون عوائق؟ خاصة وقد أصبحنا على أبواب الحرية، و قاب قوسين أو أدنى من تطلعات شعبنا، طبعاً لا، فمن الطبيعي أن يكون حجم العداء كبيراً، ولا ننسى أنها حالة مخاض والأعداء سيعملون كل ما بوسعهم، لأنها الفرصة الأخيرة أمامهم، فليس غريباً أن يستخدم أسلحة محرمة دولياً، واستخدمها فعلا في معركة سري كانية بعد كل هذه الهزائم التي مُني بها الأعداء.
فالمنتصر والخاسر هنا هو واضح للعيان، كسب عالمي لقضيتنا، بالإضافة لدحر الإرهاب العالمي بشخص داعش والدولة التركية ، تداول القضية الكردية عالمياً، تسابق بين قوى الهيمنة العالمية لكسب قواتنا إلى طرفهم كلٍ على حدى، والتسابق على من يكون إلى جانبنا لحماية الحدود، وهرولة الجميع لتداول و حل القضية الكردية سياسياً، بالمقابل في الطرف الآخر نرى هزائم متتالية ، هزيمة وكلائهم داعش والنصرة وبقايا القاعدة وغيرهم من العصابات المرتزقة، بالإضافة لهزيمة الجيش التركي أمام قوات قسد، وحالة التخبط السياسي والتشرذم في المجتمع التركي، وانشقاق في بنية حزب العدالة والتنمية الإرهابي، والإنقلابات العسكرية، وانهيار الاقتصاد التركي، وبقاء تركيا وحيدة في هذا العالم، و ترك حلفاء الأمس لتركيا منبوذة، وإبعادها عن بوابة الاتحاد الأوربي، بل وصل بهم الأمر الى مناقشة طرد تركيا من حلف الناتو، وازدياد الشرخ بينها وبين أصدقائها.
بهذه المقارنة البسيطة يتضح من كسب ومن خسر، وهنا تبدأ المعركة السياسية والدبلوماسية، وبحسب وجهة نظري أستطيع القول بأن بوادر النجاح باتت واضحة في الأفق كوننا استطعنا أن نكون الرقم الأصعب والتي تُغير وجهة المعادلة تماماً، فمن خَطَطَ ورسَم عسكرياً ونجح لنا الثقة التامة بأنهم سينجحون في المساعي السياسية والدبلوماسية أيضاً، فالأبواب باتت تُفتح بعد أن كانت مغلقة، مسارات الدبلوماسية في أوروبا و الوطن العربي و الساحة الأمريكية وحتى في القطب البارد أيضاً باتت سالكة، وفي الداخل السوري كما قلناها دائماً “لا طريق سوى الحوار”، وبرأيي تم إبعاد شبح الاقتتال وبدأت مرحلة المفاوضات السياسية.
وهنا أود أن أقول بأن شعبنا يجب أن يدرك عظمته في هذه المرحلة ولا ينجر أو يتأثر بأساليب الحرب الخاصة ويقرأ الواقع جيداً لا أن يقرأه بردات فعلٍ لا تدخل في خدمة طموحاته وأهدافه، ولا يتوافق مع حقيقة مقاومته وتضحياته وصموده ودحره لتركيا والإرهاب، لذا عليه أن يتحمل اللحظات التاريخية والتي ستكون النقطة الفاصلة مابين الماضي المُحّمل بالمآسي والألم وبين هذا الحاضر الموجع والذي يحمل في طياته الكثير من تطلعات شعبنا والمستقبل الزاهر لأجيال قادمة، فنحن متفائلون رغم الصعوبات التي في طريقنا.

زر الذهاب إلى الأعلى