مانشيتمقالات

أردوغان الانهيار والإنسان الأخير أو التبكير في زمن التفكير

حسين فقه

دعى أردوغان لانتخابات رئاسية مبكرة، انتخابات مبكرة للقفز على الأزمات واستباق انفجار ما قد يحيل أجندة أردوغان لهشيم، وعلى عكس كل الأنظمة والإدارات المأزومة التي تحاول تأجيل الاستحقاق الانتخابي قدر المستطاع ، يحاول أردوغان “التبكير” في هذا الاستحقاق الذي مهد له باستفتاء شعبي أقبل عليه المريدون الإسلامويون من أتباع حزب العدالة والتنمية والتحالفات التي محص في إنشائها على رماد الحريق الانقلابي الذي صنف ” بفعل فاعل” والذي كان أردوغان المستفيد الأول منه، هذا الاستفتاء الذي ووجه بنوع من الازدراء لدى الحكومات الأوروبية مما دفع الكثير من هذه الحكومات إلى منع الدبلوماسيين الأتراك إجراء حملات دعائية له في بلدانها، لأن أردوغان استخدم الانقلاب المزعوم كشماعة لتهميش المعارضة و لشن حملة اعتقالات واسعة ضد السياسيين الكرد والصحفيين وفصل الآلاف من موظفي الدولة والأكاديميين والعسكريين والقضاة لأسباب زعم أنها تتعلق بالأمن القومي، ومارس تحت هذه المظلة كل أشكال الانتهاكات ضد شعبه .
فعلى ماذا يستند أردوغان في هذه الانتخابات المبكرة؟ سؤال قد يبدو من اليسير الإجابة عليه إذا ما أخذنا فقط ما طاف على وجه الماء، ولكن بتدقيق أكثر سيبدو الأمر أكثر تعقيداً ودقة، فأردوغان وحزبه يمارسون السياسة بما أكسبته إياهم سنوات الحكم الطويلة في السلطة كرئاسة حكومة ورئاسة جمهورية تركية اخوانية، وكذلك الأوراق التي يعتقد أردوغان أنه كسبها من سنوات الأزمة السورية الدامية والتي كان لأردوغان اليد الطولى في تعميقها وليس آخرها احتلال عفرين وتهجير شعبها .
يقول فوكوياما في كتابه ” نهاية التاريخ والإنسان الأخير ” بما معناه أن ” السلطة متى ما وصلت الى كمالها وشموليتها فإنها ستبدأ بعد ذلك بالانهيار، لأنها يجب أن تتجدد في شكل أكثر رقياً ـ وفق منظور فوكوياما لتجدد الأيديولوجيا أو فنائها ـ ويبقى ذلك الانسان الأخير المنقذ ومهندس الخلاص الجديد “، بهذا المعنى فان أردوغان رغم شمولية ديكتاتوريته المتحكمة بكل مفاصل الدولة بطريقة غير شرعية، فهو يسعى إلى شرعنة هذه الديكتاتورية باسم صناديق الاقتراع الديمقراطية، وهذا يعني وفق ” فوكوياما ” حتى لو كسب أردوغان في هذه الانتخابات فإن المرحلة التي تلي فوزه ستكون بداية انهيار حكمه وسلطانه، وقد يكون أردوغان مدركاً بحصافة “المسلوب انتصاراً” لهذه الحتمية التاريخية، لذلك هو يبكر في هذا الانهيار ليكون مهندساً لهذا “الانهيار” ومتحكماً به، مما يخوله بالنتيجة ” حسب ظنه ” لأن يكون ذلك الإنسان الأخير و المهندس الذي يرمم هذا الانهيار بل يتجاوز الترميم إلى عملية بناء جديدة لدولة دأبت على العلمانية منذ “أتاتوركها” المؤسس، ليعود ويبنيها من جديد وفق أجندته الإخوانية الإسلاموية، فهو باعتقاده المرضي المهووس أمل الأمة، وسلطان الرعية، والخليفة العثماني الذي سيعيد أمجاد بني عثمان الإسلامية، وليكون العرب المتمسحون بجلبابه مريدوه الذين يجعلون من جماجمهم درجاً لسلطانه.
وهنا علينا أن نوضح أن ما عناه فوكوياما بالتاريخ ليس ذلك الحيز الزمني بما يستوعبه من أحداث ووقائع وإنجازات واكتشافات، بل أراد الإشارة إلى التاريخ بما هو فضاء لتموضع الأفكار الكبرى وتطورها الفلسفي الديالكتيكي، وبالتالي يكون المقصود بالقول: “انتهى التاريخ” هو إعلان نهاية الأيديولوجيات المتهالكة، وإقراراً بأنّ الإنسان الأخير سيعيش في كنف الديمقراطية ” الليبرالية ” إلى الأبد، لأنّها التعبير النهائي والتأليفي لتراكمات الفكر الإنساني ” وفق منظوره “.
في الحالة الأردوغانية فإن عملية التطور الجديدة التي يسعى إليها، بعد بناء الانهيار وهندسته فهي تعيد العجلة إلى الخلف بمعنى صياغة تركيا جديدة تستند بجدتها على الموروث العثماني والإسلامي شكلاً ومضموناً، أي إعادة السلطنة العثمانية القديمة والتي تعود الى مئات خلت من السنين للوجود من خلال رئيس بكامل الصلاحيات الديكتاتورية المشرعنة انتخابياً، وهذه هي الفداحة التي ستذهب بريح أردوغان، فالمشاريع التي تحملها هندسة الانهيار والتجديد هي بالضرورة تطور ديالكتيكي ينحو إلى الأمام وليس للخلف، ورغم البرغماتية السياسية التي يتحرك أردوغان في مساحتها بعنجهية لكن هذا لا ينفي أن من السهل أن تأخذه الحماسة ويبني رأيه وسلوكياته السياسية على اتجاهات تدوم لفترات قصيرة وبتحالفات مؤقتة وطارئة ليجعل منها أوضاعاً واستراتيجيات دائمة تتطابق مع أحلامه العثمانية.

زر الذهاب إلى الأعلى