مقالات

آستانا بنت الـ17

حسين فقه


في ريعان شبابها أقبلت آستانا في جولتها الـ17 لتضع الملح في الجرح ليس لإنهاء الألم بل لإدامة الكارثة، بكل شغفها اللعوب ونياتها غير الصادقة وأطرافها المارقة أقبلت آستانا ولازالت المأدبة السورية مفتوحة لولائم يتناهشها ناهشو سوريا من عرضها إلى عرضها بعد أن فقدت سوريا طولها وقامتها في مناطق نفوذ تتقاذفها أجندات إقليمية احتلالية و أخرى دولية تهدف لخلق التوافقات الاستراتيجية في الصراع على القمر ابتداء من التوازنات السياسية في سوريا.
هكذا جلس السوريون حول مأدبتهم كضيوف غير مرغوب بهم وهم ينظرون لكعكتهم المعجونة بدماء البلد وأهله، هكذا جلس السوريون مكتوفي الأيدي كعادتهم طلاباً في المدارس الابتدائية لا يستطيعون مد أيديهم لوليمتهم لأنهم كانوا من مكوناتها ولم تفرج الديكتاتوريات بعد عن أيديهم المتكتفة حول مصائرهم المتَناهبة. لم يتخرج السوريون بعد من المرحلة الابتدائية وما زالوا يحومون حول كينونتهم وتشكيل هويتهم المتآلفة كشعوب وقبائل فأفضى حومهم إلى كتم الشعوب ومحاولة سحقها والإبقاء على القبائل تُغير بعضها على بعضها وتغزو أخرى قبائل أخرى وهند بنت عتبة ما زالت تأكل كبد حمزة بن عبد المطلب، فيا “بن” ويا “بنتُ” بنْتُمْ وَبِنَّا فَمَا ابْتَلَّتْ جَوَانِحُنَا ….شوقاً إليكمْ ولا جفَّتْ مَآقِينا، ويا ابن زيدون مازال البيت الأول من قصيدتك “أضحى التنائي” ينكأ جرح ولادة بنت المستكفي وهي مخدرة ومغيبة ومسلوبة وسوريا لم تعد ولادة ولم تعد بنت المستكفي لأن قاتليها لم يكتفوا بعد من التمرغ بدمائها، يا ابن زيدون بيت قصيدتك ما زال ناجعاً أضحى التنائي بديلاً عن تدانينا….وناب عن طيب لقيانا تجافينا.
فأي دستور يا سادة تتأملونه من كازاخية تلم اللاعبين على طاولة النرد والطاولة وطن والنرد شعوبها واللاعبون غزاة، لا سيما أن من يدعون المعارضة يلعبون دور المطية للعثمانيين وهم يرخون ذيولهم المهزومة ويطأطؤون برؤوسهم المسلوبة ويلعقون ثوب السلطان من الدبر وفي كل مرة يعودون بخفي حنين بعد أن لمعوا خفي الغزاة المحتلين. والنظام مازال منقسماً بين من يصبح عبداً للسلافي ومن يصير مستعبداً من الفارسي وجل تفكيره يدور حول تمكين القصر وتمتين بنيانه على أنقاض السوريين وجماجمهم.
أي رهائن وأي معتقلين تتأملون الإفراج عنهم والخارج معتقل أدهى من المعتقل فمن سوط النظام لسوط الجهاديين وأجندات تفريخ المرتزقة لخدمة الأتراك في معاركهم، ومن سوط جبهة النصرة والمرتزقة السوريين إلى جحيم النظام المتهالك والجوع والفقر والإحساس بالمرارة والندم على التضحيات في سبيل نظام لم يكلف نفسه عناء التكفل بأبناء وعائلات الأسرى (المحررون) من مخالب وسكاكين مجرمي الحرب التي ولدتهم ثلة سمت نفسها (المعارضة). وأي أسرى للتبادل وكلكم تأسرون الشعوب وأحلامها وآمالها، وأي مساعدات دولية تطالبون بتمريرها يا لصوص المساعدات وناهبي قوت الشعوب وقد أثريتم من المساعدات نظاماً ومعارضة.
يا ابن زيدون دعك من قرطبة ولتبقى في مدفنك الأخير في إشبيلية، فأنت من خبرت المخزومين وتعرف ألم الخزامة وذلها، ودعنا نحن السوريين نتابع المسرحية ممثلين وكومبارس، فالبنت الكازاخية آستانا ما زالت بنت الـ 17 وأمامنا متسع من كارثة وذل وهي البطلة وإليها شاخصة عيون المتفرجين والمشاهدين والمراقبين والمحللين والكل يدلي بدلوه والدلو فارغ ومليئة بأنقاضنا جيوب المحتلين.

زر الذهاب إلى الأعلى