فوزي سليمان ـــ
لن نتطرق إلى الاحتفالات في نوروز عام 2637 كلوحة مجردة “يتم فيها المعايدة والابتهاج والفرح” برحيل برودة وقساوة الشتاء وإيقاد شعلة الحرية التي ترمز الى الخلاص من الظلم والظلام واستقبال الربيع ليبعث الروح في الطبيعة والانسان، وكذلك لن نقيِّمها من منظور كونه تقليد عريق يحمل في أعماقه الكثير من القيم الإنسانية بالنسبة للعديد من الشعوب وعلى رأسها الشعب الكردستاني، ولذلك باعتقادي أن نوروز 2637 يجب النظر إليه من منظور مختلف كلياً عمَّا سبقه من مناسبات نوروزية، وخصوصاً في سوريا، فلأول مرة في تاريخه الحديث يشعر المرء أن روح وحقيقة نوروز تمثلت في لوحته الحقيقية التي ولدت ونشأت عليها منذ 2637 عاماً، حيث ولادة أول كونفدرالية في التاريخ ضد ظلم الامبراطورية الآشورية وتحالف الشعوب الفارسية والأرمنية والكلدانية والكردستانية فيها لتكون ولادة الامبراطورية الميدية الكونفدرالية في عام 612 ق.م .
بداية وقبل الخوض في صلب الموضوع الذي نرمي إليه، أود أن أذكر مقولة لينين: (كل تشبيه أعوج) …! ورغم ذلك سنتطرق إلى حقيقة النوروزين، نوروز 612 ق.م ونوروز 2637، والظروف السائدة في كلتيهما حيث التشابه في الطغيان والظلم والمجازر وحقيقة رغبة الشعوب في التخلص من ذلك، هنا وقبل أي شيء آخر علينا فهم واستيعاب حقيقة سيكولوجية الشعوب كما هي وبالشكل المجرد، لأن عدم فهم تلك الحقيقة تؤدي الى مغالطات قاتلة وسلك سُبل لا مفر من الاصطدام مباشرة بمطالب الشعوب كما نشهده في العديد من الساحات وخصوصاً الشرق أوسطية والعالمية عموماً، ولكن ورغم ذلك ورغم الألم العظيم الذي حل بشعوب الشرق الاوسطية نشاهد مرة أخرى توجه الشعوب إلى روح وحقيقة نوروز 612 ق.م، والذي تجسَّدَ بأبهى صوره في نوروز 2637، وكأن نواة الفيدرالية الأولى قبل ألفي عام ونيف بدأت بالتشكل بإرادة طوعية خالصة وبشكل مكثف لحقيقة طموحات وآمال الشعوب ليكون الجميع بلا استثناء “الكرد والشعوب الأخرى” أمام مرحلة تاريخية جديدة وعصرية ستطبع المرحلة والمستقبل بطابع حقيقة نوروز وروحه المتمثل في الحرية والعدالة والمساواة، هذه الحقيقة التي يحاول الكثيرون القفز فوقها وتحريف جوهرها من خلال امتطاء إيديولوجيا غابرة سالفة عفى عليها الزمن، مثلهم مثل من حارب طواحين الهواء …! .
احتفالات نوروز 2637 احتضنت ووحدت شعوب المنطقة، بكل ما تحمل الكلمة من معنى، بسريانها وكلدانها وأرمنها وعربها وتركمانها وكُردها، لتتحول إلى كرنفالٍ للحرية ورسالة صارخة لكل فكر أحادي الجانب قصير النظر يتبوتق في أطر قومية أو دينية ضيقة، فنوروز يتخطى الديانات والانتماءات والأهواء السلطوية المقززة، ويتخطى القيود المفروضة على الانسان عنوة، لأن لنوروز حقيقة لا تتغير ألا وهي الحرية والعدالة والمساواة والتي هي غاية الانسان وهدفه اللانهائي وغير القابل للمساومة والنقاش.
مرة أخرى يكون للكرد العبء الأعظم في تمثيل هذه الحقيقة كما فعلها قبل 2637 جنباً الى جنب مع شعوب المنطقة، وتجسيد حقيقة وروح وجوهر نوروز.