قهرمان مامد
كل الأعين الدولية العالمية تتجه نحو الأيام المقبلة في الانتخابات الأميركية والتي تعتبر تحولاً مهماً في تأثيراتها الاستراتيجية على مواضع السياسة العالمية في كافة انحاء المعمورة .
تتركز أهمية هذه الانتخابات في مدى اهتمام الرأي العالمي في شخصيتي المرشحين بايدن والرئيس ترامب، بعد أربع سنوات من التخبط السياسي الأميركي في العالم، والعلاقات الدولية التي اهتزت ما بين أميركا وحلفائها واصدقائها، بعد البرغماتية الشعبوية التي انتهجها ترامب في سياساته الخارجية والتي وصلت الى حد أشبه بالانعزال عن مقتضيات الأزمات الدولية والتي لطالما كانت أميركا أحد أركانها الأساسية في اثارتها أو معالجتها .
لماذا بايدن أفضل من ترامب ؟
سؤال قد يقول البعض أنه غير مجدي بسبب أن من يحكم أميركا هي مؤسسات الولايات المتحدة ألا وهي البنتاغون والكونغرس ومجلس الشيوخ ومؤسسات المجتمع المدني والتي تفرض على الرئيس الاميركي الاستراتيجية السياسية والاقتصادية الداخلية والخارجية .
إن أهمية شخصية الرئيس تلعب دوراً هاماً في تحديد مسارات التكتيكات والسياسات الآنية وطويلة المدى خاصة عندما يختار الرئيس مجموعة من المستشارين والذين يؤثرون بشكل فعلي على اختياراته وقراراته على الصعيد الخارجي والداخلي، و لقد رأينا خلال الأربع سنوات المنصرمة في عهد ترامب مدى كمية التناقض الذي حصل بين ترامب ومستشاريه و وزراءه عندما كان يقوم ترامب بإصدار بعض القرارات الأشبه الى الفردانية، وخاصة في سوريا عندما تم الانسحاب الاميركي الجزئي، حيث ظهرت حالات أقرب الى التمرد لقرارات الرئيس، كاستقالة وزير الدفاع ماتيس وأيضا مؤخراً مستشار الأمن القومي جون بولتون والذي كان مقرباً جداً من ترامب بالإضافة الى عدة مستشارين توقفوا عن العمل بسبب تصرفات وقرارات ترامب الارتجالية .
ان سياسة واسلوب ترامب وشعاره الانتخابي الذي اعتمد على مبدأ ” أمريكا أولاً ” قد أضر بشكل كبير بصورة الولايات المتحدة خارجياً لأن ضرب الاتفاقيات الدولية بعرض الحائط بكل بساطة يؤثر على الميزان الدولي والاقليمي ويحدث خللاً في المحاور الاستراتيجية والتي لطالما دافعت عنها اميركا ضد المحاور المعادية لها . لذلك حاولت روسيا استغلال شعبوية ترامب في استغلاله لقوة اميركا بفرض سياسات عنجهية على الدول الصديقة لها فقامت روسيا بالتقرب من تلك الدول وتتودد منها ، ولعل لكتاب ترامب التجاري الذي ألفه و أسماه ” الصفقة ” تأثيراً على اسلوبه السياسي في تعاملاته الدولية .
أضف الى ذلك القضايا الداخلية التي واجهها ترامب والتي وصلت الى حد النقاش والتصويت على عزله كرئيس بعد اتهامه باستخدام السلطة وعرقلة عمل الكونغرس وهو الرئيس الرابع في تاريخ الولايات المتحدة الامريكية الذي تعرض لإجراءات العزل بعد الرؤساء ” اندرو جونسون ” و “ريتشارد نيكسون ” و “بيل كلنتون ” بعد ان تم فتح تحقيقات معه بخصوص الأزمة الاوكرانية والتدخلات الروسية في نتائج الانتخابات لصالحه في قضية تحقيقات مولر، وكذلك استخفافه بوسائل الاعلام ومعارضته لها في أغلب اللقاءات الصحفية المباشرة ، كما أن مذكرات بولتون الشخصية سلّطت الضوء على سياسات ترامب واسلوبه غير المتزن في معالجة القضايا الدولية خاصة في الشرق الاوسط ، كذلك محاولة ترامب التسريع من خطى عقد الاتفاقيات وعلاقة التطبيع بين اسرائيل والدول العربية، والتي باتت خطة مكشوفة لأجل التأثير على الناخب الأميركي اليهودي وكسب أصوات اللوبيات اليهودية المؤثرة على صنع القرارات في الداخل الأميركي خاصة، وان هذه الاتفاقيات قد حصلت في فترة ضيقة من الزمن قبل الانتخابات، والتي حشرها ترامب في انجازاته آملاً منه تقليص الفارق بينه وبين بايدن في الانتخابات.
ان شخصية بايدن والتي تصفها الأوساط الأميركية بأنه شخصية متزنة صاحب استراتيجية ورؤية متبصرة بالخلفيات التاريخية والسياسية لمكامن الصراعات في العالم، وعلى دراية شبه كاملة بالشخصيات الدكتاتورية الموجودة حالياً في الوسط الدولي، وهو شخصية مخضرمة في المجال السياسي منذ السبعينيات، وقد أمضى ثلاث عقود منها في مجلس الشيوخ، ناهيكم عن أن شخصية بايدن تتسم بالخبرة و الدارية لتجربته الطويلة في البيت الأبيض التي دامت لمدة ثمان سنوات، وواجه كنائب للرئيس السابق أوباما قضايا ومنعطفات عالمية منها ظهور داعش والتطرف وأزمة اوكرانيا وأزمات الربيع العربي والأزمة الاقتصادية على عكس منافسه ترامب الأتي من عالم الأعمال المالية والاقتصاد، كما أن بايدن يعتبر نفسه شخصية موّحدة بجذور عمالية قريبة من المواطن الأميركي فهو يقوم بمخاطبة الناخب الامريكي بشكل صميمي قريب من الواقع .
واذا كان ترامب قد جلب الفوضى والتهور والشعبوية الى البيت الأبيض فأن بايدن على عكس ذلك سيعيد التوازن والتكافئ والاسلوب الاستراتيجي والحفاظ على العلاقات الدولية مع الحلفاء والاصدقاء .
ولا يسعنا في هذا السياق إلا الانتظار في الايام المعدودة المقبلة ما إذا كان الشخص المُختار هو الديمقراطي أم الجمهوري !