لقمان جارو ــ
في ١٥ شباط وقبل ستة وعشرين عاماً تحالفت قوى الهيمنة المركزية مع اطرافها من الدول القومية ولفيف من القوى الكردية المحلية المتعاونة في التخطيط لمؤامرة هي الاسوأ على مدى العصور، في فترة كانت أوروبا والعالم يعيش حالة ركود وكساد اقتصادي وأزمات مالية خانقة حيث روسيا كانت في حالة يرثى لها نتيجة تبعات انهيار الاتحاد السوفيتي وكانت تلك الظروف تسري أيضاً على دول المنطقة وضمنها تركيا واليونان ومصر وحتى اسرائيل وبالنتيجة كان الكل يبحث عن الخلاص وبالتالي كان لا بد من إحداث حرب عالمية وافتعال فوضى تخلق معها نظام جديد للخروج من حالة الانسداد التام وسبقته ذلك (وباعتبار أول الرقص حنجلة) قامت أمريكا بطرح وترويج ما يسمى بمشروع الشرق الاوسط الجديد أو الكبير من خلال بعض اللقاءات والمقالات من قبل بعض مؤسساتها الإعلامية أو على شكل دراسة من قبل منظّر الاستراتيجية الأمريكية “برنارد لويس” والعمل على تهيئة الظروف والشروط.
القضية الكردية كانت دائماً وأبداً مادة دسمة للمساومات وتأجيج الصراعات والتناقضات في المنطقة منذ قرابة قرنين من الزمن، وكان لا بد من تفعيلها.
أمريكا وباعتبارها مركز الهيمنة ومحترفة في اختلاق الوقائع وإدارتها وإلهاء العالم دائماً بالاجتهاد في تحليل هذه الوقائع، والاستفادة القصوى من مخرجاتها بضرب حالة الاستقرار النسبي في الشرق الاوسط من خلال خلق أزمة تلو أخرى حيث عملت بداية على تغيير أنظمة الحكم في المنطقة من خلال انقلابات أو اغتيالات أو عمليات الإرضاخ في أواخر سبعينيات القرن الماضي، ابتداءً بجلب “صدام حسين” على سدة الحكم بانقلاب على رفيقه في البعث ١٩٧٨وثم إتيان “الخميني” بطائرة من مطار باريس الى طهران باسم الثورة الإسلامية عام ١٩٧٩ ثم خططت ونفذت الانقلاب العسكري في تركيا عن طريق المؤسسة العسكرية بقيادة “كنعان ايڤرين” وإنهاء الحكم المدني ١٩٨٠ ومن ثم اغتيال “أنور السادات” في مصر على أيدي جماعة الاخوان المسلمين المتعاونة مع المخابرات الانكليزية والإتيان بـ “حسني مبارك” المتواطئ معهم، وفي سوريا عملت على إرضاخ “حافظ الأسد” من خلال تحريك ودعم حركة الأخوان المسلمين وإحداث حرب أهلية في الثمانينات وما إلى ذلك من مخططات دنيئة، والهدف هو تهيئة الظروف لمداخلة الشرق الأوسط و ملئ الفراغ بحسب مبدأ “أيزنهاور” وكان كل هذا التخطيط بحاجة إلى فتيل وصاعق، فكانت تنفيذ مؤامرة ١٥ شباط بحق القائد “عبد الله أوجلان” حيث كان الهدف هو تحقيق عدة أهداف من رَمْيَةٍ واحدة حين نجح (الناتو) وأمريكا في تحقيقها بإحداث الفوضى وتهييج الشعب الكردي وحققت الدول المشاركة بعض المكتسبات من خلال الصفقات المتبادلة، ولكنها (أي المؤامرة) فشلت في تحقيق كل مآربها بإنهائها، أولاً حزب العمال الكردستاني من خلال فصل الرأس عن الجسد، وبالتالي فشلت في وأد القضية الكردية أو جعلها في سُبات لمئة سنة أخرى، وكذلك فشلت لحدٍ ما في تنفيذ كل مشاريعها الاستعمارية والحداثوية في المنطقة نتيجة أطروحات القائد لمشاريع أكثر أصالة وخدمة لشعوب المنطقة المتجسدة في نظرية الأمة الديمقراطية والإدارات الذاتية الديمقراطية التي أصبحت أمراً واقعاً نتيجة النضالات وتكاتف شعوب المنطقة وكذلك نتيجة مقاومة سجن إمرالي والذي أفشل كل تلك المشاريع وجعلت الهيمنات المركزية تعيد فرز حساباتها.
إن طول الأزمة الحالية وعدم وجود حلول في الأفق تؤكد أن الدول المشاركة في هذه المؤامرة تعيش حالة التخبط في سياساتها وعدم قدرتها من الخروج منها واستمرار مقاومة القائد في سجن إمرالي والكثير الكثير من المعطيات والاستنتاجات تؤكد بأن مؤامرة ١٥ شباط قد فشلت في تحقيق كل مآربها.