جميل باييك *
التحالف الفاشي بين حزب العدالة والتنمية والحركة القومية المتطرفة القائم في تركيا، يشن حملة كبيرة ضد ثورة روج آفا وقوات سوريا الديمقراطية. حالة العداء التي يكنها حزب العدالة والتنمية للشعب الكردي وهويته، جعله يتحالف مع القوى الإرهابية الفاشية في سوريا ويستخدمها كأداة لمحاربة الكرد وتدمير مناطقهم. أما الآن فالحزب الحاكم في تركيا ينزل بنفسه إلى ميدان القتال، وهدفه هو قتل الكرد وتخريب تجربتهم الديمقراطية.
العداء الأعمى للشعب الكردي هو الذي يدفع الدولة التركية للتحالف مع الإرهاب الدولي ودعم المجموعات الإجرامية القاتلة في سوريا. ما لم ينتهي هذا العداء فإن دعم أنقرة للإرهاب في سوريا وغيرها لن ينتهي. يجب في البداية وضع حد لحالة العداء للشعب الكردي ووجوده وهويته.
الناظر إلى تحالفات الدولة التركية في سوريا سيرى خرائط العلاقات مع القوى الإرهابية، وسيظهر له التحالفات مع “جبهة النصرة”، و”داعش” وجماعات أخرى، بينما هناك حالة عداء لقوات سوريا الديمقراطية التي يدعمها الآن كل العالم في سبيل دحر الإرهاب والنيل منه. السبب الرئيسي في الرهان على هذه المجموعات الإرهابية هو معاداة تركيا للشعب الكردي. لو لم يكن العداء للشعب الكردي موجودا لكانت تركيا الآن تساند التوجه الديمقراطية والقوى الديمقراطية التقدمية الحداثوية، وتحارب الإرهاب مع بقية دول العالم. لكن العداء للكرد جعل الدولة التركية في صف الإرهاب وفي مواجهة بقية العالم.
تحاول الدولة التركية دائما وفي إطار حربها الشاملة ضد وجود الشعب الكردي الاستعانة بمجموعات ومنظمات مسلحة تستخدمها ضد حركة التحرر الكردستانية، وفي حال فشل هذه المجموعات الإرهابية في تنفيذ المهام الموكل إليها، تعمد الدولة التركية نفسها إلى النزول لميدان القتال، فتدمر المدن وتقتل المدنيين وتعتقل رؤساء البلديات والبرلمانيين وتنشر الرعب والقتل في كردستان. مارست هذه السياسة في شمال كردستان ضد حركة التحرر الكردستانية والآن تعمد إلى ممارسة نفس هذه السياسة ضد ثورة روج آفا، وهي نزلت هناك بنفسها إلى ميدان القتال بعد فشل الرهان على أدواتها ومرتزقتها.
في البداية راهنت الدولة التركية على “جبهة النصرة” حيث دعمتها في احتلال مدينة سري كانيه/رأس العين، وحاولت أن تصنع من تلك المنطقة منصة لاحتلال كامل مساحة روج آفا، وبعد فشلها في ذلك، قررت الاعتماد على تنظيم “داعش”. كما وعملت على تهيئة شراذم من المرتزقة الكرد لإضعاف تجربة روج آفا من الداخل وخلق البلبلة والفوضى. كذلك رعت معارضة تابعة لها، كانت كل وظيفتها هو التصدي للمد الديمقراطي الحر المستقل وخنق أي محاولة حقيقية لحل الأزمة ونشر الديمقراطية والحوار بين المكونات ومتابعة الرهان على العمل المسلح والحرب.
الجبهة الفاشية التي تحكم تركيا الآن وبعد أن رعت “داعش” وقوته وأمدته بكل سبل البقاء، الآن وبحجة محاربة هذا التنظيم، تتدخل عسكريا وتحتل جزء من سوريا، ولكن الهدف الرئيسي لها هو محاربة قوات سوريا الديمقراطية. الهدف ليس “داعش” بل الهدف هو خنق تجربة روج آفا وضرب قوات سوريا الديمقراطية، ومنع خلق أي تحول ديمقراطي في سوريا.
لذلك تدخلت قوات الجيش التركي ومرتزقته وحاولت الوصول إلى مدينة الباب لما علمت بوجود مخطط لدى قوات سوريا الديمقراطية يقضي بتحرير هذه المدينة. المنطق الذي تستند عليه الجبهة الفاشية الحاكمة في تركيا ( حزب العدالة والتنمية والحركة القومية) هو منع الكرد من الحصول على حقوقهم في سوريا والحيلولة دون تصدر القوى الديمقراطية وإحداث التحول الديمقراطي، وغير ذلك لا يهم ما يحصل في هذا البلد من حروب ومواجهات ودمار وانتشار للمجموعات الإرهابية الإجرامية. التدخل العسكري التركي في سوريا جاء فقط من أجل منع الكرد من الحصول على حقوقهم. وتقول أنقرة ذلك علانية للعالم، وبعض القوى رضت بهذا المنطق وقبلت الاحتلال التركي من هذا المنطلق. تحاول الدولة التركية أيضا سوق بعض المبررات الأخرى مثل منع تدفق اللاجئين على أراضيها، وحاولت إقناع أميركا بهذه الحجة إلى جانب قتالها المزعوم لتنظيم “داعش”. لكن الهجوم على قوات سوريا الديمقراطية كان فاضحا للنوايا التركية. الآن تحاول تركيا أن تبتز القوى المؤثرة في المشهد السوري: إنه في حال منع الكرد من الحصول على حقوقهم ومنح الأطراف التابعة لها مكانة مميزة في النظام السوري الجديد المتفق عليه، فإنه حينذاك يمكن للقوات التركية الانسحاب من الأراضي السورية.
قوات سوريا الديمقراطية وثوار روج آفا لا يثقون بأي طرف من أطراف الصراع. هم يعلمون بأن المقاومة الشاملة القوية والمؤثرة هي فقط من ستجبر تركيا على سحب قواتها من سوريا. إن قوات سوريا الديمقراطية ومقاومتها هي من ستجبر التحالف الفاشي التركي على الانسحاب والاندحار. الدولة التركية تحاول تكرار نموذج قبرص في روج آفا، فهي لن تنسحب حتى تضمن كل المجريات لصالحها وصالح حلفائها. في سوريا لن تنسحب قوات الاحتلال التركي حتى خنق ثورة روج آفا، وإدراج أزلامها في جميع مؤسسات ومراكز القرار في الدولة السورية، بحيث يكون التأثير الأكبر لهم.
لقد ضحت روج آفا بآلاف الشهداء من اجل دحر “داعش” وإضعافه وهو العدو الأول لكل البشرية وللحضارة، وفي كوباني كانت المقاومة على أشدها، حيث نال الكرد من “داعش” وألحقوا به الهزيمة، بعد أن دفعوا آلاف الشهداء وآلاف الجرحى. الآن تحاول الدولة التركية التي رعت “داعش” واحتضنته، للدخول بنفسها من أجل ضرب الكرد وضرب ثورة روج آفا وإضعافها بهذا الشكل. إن العالم مطالب الآن بدعم تجربة روج آفا وقوات سوريا الديمقراطية وعدم السكوت على الاحتلال التركي الغاشم.
العالم الذي تضامن مع مقاومة كوباني، ويحتفل كل عام في الأول من شهر تشرين الأول بيوم كوباني العالمي، لاستذكار ملاحم المقاومة، عليه الا يصمت الآن في وجه الاحتلال التركي الذي يريد النيل من روح هذه المقاومة في سبيل الانتصار للإرهابيين وقهر المطالب الكردية الديمقراطية. لقد ضحى العشرات من الشباب الأوروبي والأسترالي والأميركي بحياته ضمن مقاومة روج آفا دفاعا عن قيم الحضارة والعيش المشترك في وجه الإرهاب والتوحش والقتل والبربرية، ويجب حماية هذه القيم وعدم السماح للدولة التركية الفاشية، داعمة الإرهاب وحاضنة الإرهابيين، بالنيل منها وخنق ثورة روج آفا.
الدولة التركية، وعبر تحالفها الفاشي الحاكم، لا تهاجم فقط قوات سوريا الديمقراطية وتجربة روج آفا فقط، بل هي مثل “داعش” تحارب كل المد الديمقراطي وكل من يناصر التعايش المشترك وتناصر الرجعية والديكتاتورية والقمع. وعليه فإن العالم ملزم أخلاقيا بمناصرة الديمقراطية والحقوق والتعايش المشترك عبر دعم قوات سوريا الديمقراطية ورفض القمع والاحتلال ومناصرة الإرهاب والإجرام، من خلال رفض الاحتلال التركي الفاشي لشمال سوريا…
* صحيفة (Yeni Özgür Politika)
ترجمة المركز الكردي للدراسات