هناكَ ازمةُ متصاعدةٌ في العلاقات التركية الامريكية بلغت ذروتها يوم الأربعاء 14/9/2016، عندما استنكر وزير الداخلية التركي “سليمان صويلو” تصريحات السفير الامريكي لدى انقرة “جون باس” الذي انتقد فيها تعيين 28 رئيس بلدية جديد في عموم البلاد، معتبراً مثل هذا الانتقاد من قبل السفير تجاوزاً للحدود، وتصرفاً غيرَ مقبول تجاه تركيا وحكومتها وشعبها.
إقالة رؤساء البلديات وآلاف من القضاة والقادة والجنود، واعتقال الصحافيين باتت من الأمور المألوفة في تركيا هذه الأيام، حيث تعتمد الحكومة التركية سياسة “تطهير” لمؤسسات الدولة ومفاصلها، بكل من تشك في عدم ولائه أو وجود صلات تربطه بالداعية التركي فتح الله غولن، المقيم في امريكا والمتهم الأول بالوقوف خلف الانقلاب العسكري الفاشل.
انتقاد السفير الامريكي لحملات “التطهير” هذه يعتبر في نظر السيد “صويلو” تجاوزاً للحدود وتصرفاً ينطوي على الكثير من الغرور، ولكنه لم يصل إلى حد طرده من تركيا أو مطالبة بلاده بسحبه، واكتفى بالقول أنه يجب على الدول الكبرى مثل امريكا عدم تعيين أشخاص صغار كسفراء لها في دول قوية مثل تركيا.
صحيفة (واشنطن بوست) الامريكية سلطت الأضواء في تقريرٍ لها عن هذه الأزمة في العلاقات الامريكية التركية، وكشفت أن الرئيس الامريكي باراك اوباما دعا فريقه للأمن القومي إلى اجتماعٍ طارىٍء لمناقشة تطورات الأحداث في تركيا، مثلما عقد اجتماعا مماثلاً مع مستشاريه للسياسة الخارجية.
ماذا تعني كل هذه المؤشرات؟ هل نستطيع الاستنتاج بأن الدولتين الحليفين تتجهان نحو الصدام في الأيام أو الأسابيع المقبلة؟
الصدام غير مستبعد، فالولايات المتحدة الامريكية تشعر بالاستياء من التقارب الروسي التركي المتزايد الذي وصل إلى درجة التنسيق الكامل في سورية، فتركيا ما زالت عضواً في حلف “الناتو”، ومن المفترض أن تكون اكثر قرباً لزعيمة هذا الحلف أي امريكا واكثر التزاماً بسياساته والحال لم يعد كذلك.
في المقابل ترى تركيا إن امريكا هي التي اخترقت معايير الصداقة والتحالف عندما وفرت الدعم والحماية للداعية غولن الذي يقيم في بنسلفانيا، وماطلت في تسليمه إلى تركيا وحكومتها بتهمة الوقوف خلف الانقلاب الأخير، مضافاً إلى ذلك إن الرئيس التركي رجب طيب اردوغان يشعر بغضب شديد تجاه احتضان امريكا لأعدائه الكرد، وخاصة حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، وقوات سورية الديمقراطية، ذات الأغلبية الكردية.
نشم رائحة (طبخة غربية) محكمة لزعزعة الاستقرار في تركيا، وحكم الرئيس رجب طيب اردوغان، تحت ذرائع متعددة أبرزها تراجع الحريات، وتراجع الديمقراطية التركية لمصلحة الديكتاتورية، ونظام القبضة الحديدة، وتكميم أفواه المعارضين، والزج بهم في السجون والمعتقلات.
فليس صدفةً أن تعلن السفارة البريطانية في انقرة اغلاق أبوابها اعتباراً من يوم الجمعة، وتقلص المانيا خدماتها القنصلية إلى الحد الادنى، وتغلق مدارس ومراكز ثقافة وقنصليات تابع لها في انحاء تركيا، ولا نستغرب إذا لجأت إلى الاجراءات نفسها سفارات اوروبية أخرى تحت عنوان “الاسباب الأمنية”.
اغلاق السفارة وتقليص الأعمال القنصلية يعني ايصال رسالة للعالم بأسره بأن البلد لم يعد آمناً، وأنه مقبل على اضطرابات وتفجيرات إرهابية تشكل تهديداً لأرواح السياح ورجال الأعمال الذين يريدون زيارة البلاد.
المصالحة الروسية التركية تبدو خطاً أحمر بالنسبة إلى امريكا واوروبا، وربما يصبح هذا الخط اكثر احمراراً إذا تأكدت التقارير الاخبارية التي تؤكد حواراً سرياً متسارعاً بين القيادة التركية ونظيرتها السورية في دمشق، فانتقال تركيا إلى المحور السوري الايراني الروسي يشكل طعنه قاتلة لحلف “الناتو” والاستراتيجية الامريكية في الشرق الاوسط.
العلاقات التركية الامريكية تتجه نحو الاسوأ، وامكانية الاصلاح تبدو محدودة. إن لم تكن معدومة، وتفعيل الورقة الكردية ضد الحكومة التركية أحد الاحتمالات الأقوى مما يعني المزيد من الاضطرابات والتفجيرات لزعزعة الاستقرار الداخلي.
اغلاق السفارات في انقرة فألٌ سيءٌ للحكومة التركية وانذارٌ بموجةٍ من التفجيرات، والعقوبات الاقتصادية والسياسية المباشرة والغير المباشرة، وتقويضُ كل الانجازات التي حققها حزب العدالة والتنمية على مدى 13 عاماً من حكمه، وإعادة البلاد إلى الوضع السابق حيث الانهيار الاقتصادي والديون والتضخم والحرب الأهلية.
المصدر: الديار