شمال وشرق سوريا..في مواجهة الهجمات والحروب النفسية

عبد الكريم ساروخان
_ تتعرض مناطق شمال وشرق سوريا بشكل عام وروج افا بشكل خاص لأبشع أنواع الهجمات الارهابية المنظمة من قبل الدولة التركية، وبدعم الدولي ولو ضمنياً، والهدف هو خلق صراعات والأزمات مستدامة، وبوسائل دنيئة ليس فيها قيم أو احترام لقوانين الحرب، وما نشاهده ليس حرب تقليدية بل حرب نفسية خاصة، لأن مصطلح الحرب التقليدية تنطبق على صراع يجري بين قوتين متكافئتين أو على الأقل بين قوتين تملك العدة والعتاد بدرجة كافية.
الصراع في منطقتنا هي بين شعوب وقوى ديمقراطية لا تملك سوى إمكانيات محدودة، وبين دول وأنظمة تملك الكثير، لذلك فهي لا تشبه الحرب التقليدية، بل هي مقاومة ثورية في مواجهة الدكتاتوريات، وفي حالة مناطق شمال وشرق سوريا هي الدفاع المشروع عن العيش المشترك والكرامة والديمقراطية، وهي مقاومة ضد الظلم والاستبداد والقمع والإنكار والصهر القومي.
الحرب التي فرض على مناطق شمال وشرق سوريا هي حرب خاصة تستهدف المشروع الديمقراطي ككل، كما تستهدف ذهنية المجتمع لخلق الفتن والبلابل، وفرض حالة من عدم الثقة بين الإدارة الذاتية والمجتمع، ومن أسوأ أساليبها استهداف الشخصيات الإدارية والعسكرية التي لها دور مهم في تطوير المنطقة وتنظيم المجتمع، وبالتالي دفع السكان وتشجيعهم إلى الهجرة لإفراغ المنطقة من سكانها الأصليين، ضمن سياسة ممنهجة تدار من قبل أجهزة استخبارات في عواصم إقليمية.
الحرب التي تشن ضد مناطقنا لها مراكز دراسات متخصصة، وقد جندت في سبيل ذلك الآلاف من الموظفين مهمتهم متابعة شؤون المنطقة، والعملية ككل تجري بتنسيق قوي بين مراكز في أنقرة وعواصم إقليمية أخرى، وبأدوات محلية، حيث يتم بث الاشاعات والأكاذيب، وتركيز على بعض الثغرات في الحياة العملية.
ويمكن رؤية كيف يتم ضخ المعلومات بغزارة، وكيف تبدأ الهجمات من أنقرة إلى دمشق، مع تحريك الخلايا الإرهابية، وبث السموم عبر الفضائيات التركية التي تشاركها وتدعمها بعض القنوات الكردية والعربية.
المراكز الاستخباراتية المتخصصة بتحليل المعلومات، قد تجعل من حدث وهمي مادة مهمة عبر الفضائيات والمواقع الالكترونية ومواقع تواصل الاجتماعي، فينشغل بها المجتمع وكأنها قضية الساعة، والهدف هو إلهاء الشارع بأمور ثانوية لا أهمية لها.
وعلى سبيل المثال، تعاني مناطقنا، باعتبارها جزء من سوريا، ظروف معيشية صعبة، حيث تبعات الحصار المفروض من كافة الأطراف المحلية والإقليمية والدولية، لكن تلك المراكز تحاول التركيز على معاناة المواطنين وكإن الإدارة الذاتية تتعمد تجويع الشعب.
رغم أن مناطق شمال وشرق سوريا وبكل نواقصها واخطائها، أفضل منطقة سورية من ناحية الأمن والاستقرار وتأمين مواد المعيشة، فهي أفضل من المناطق الخاضعة للنظام السوري، وكذلك من المناطق التي تحتلها تركيا وفصائلها الإرهابية، حيث تتوفر هنا الأمان والاستقرار، كما تعمل الإدارة الذاتية لتامين المواد وفرص العمل، وهي بالفعل وفرت تلك الفرص لمئات الآلاف من سكان المنطقة بدون أي فروقات قومية أو دينية.
وفي مناطق الإدارة الذاتية توجد على الأقل ما بين (200-300) ألف موظف وموظفة، ما عدا أكثر من 100 ألف عسكري متطوع، بالإضافة إلى وجود أكثر من 12 ألف عائلة شهيد يتلقون الدعم، وطبعا ليس منية بل أن من واجب الإدارة تقديم كل ما هو أفضل، فهي إدارة خرجت من بين أبناء هذا المجتمع لخدمتهم ومن البديهي أن يكون هناك أخطاء ونواقص، لكن لن يستطيع أحد تشويهها لو وقفنا جميعاً في مواجهة تلك الهجمات التي تستهدف وجودنا وتجربتنا.
رغم العديد من إنجازات الإدارة الذاتية، لكن لا يتم التطرق لها، بل يتم التركيز على النواحي الأخرى، مع محاولة غير موفقة لمقارنة ظروف الإدارة بظروف دول أوروبية عمرها مئات السنين.
طبعاً ظروف الصعبة للمنطقة لا تتعلق فقط بظروف سوريا وحدها، بل أن الحرب الروسية الأوكرانية، قد خلق أزمة اقتصادية في معظم بلدان العالم، فارتفاع الجنوني للأسعار وتدهور التجارة وهبوط العملة، كلها عوامل تؤثر علينا، كما تؤثر على غيرنا، رغم ذلك حافظت الإدارة الذاتية على دعم المحروقات ومواد أخرى أساسية بهدف تخفيف الضغوط على المجتمع.
وبكل الأحوال فنحن نواجه هجمة يستهدف مشروعنا كم يستهدف وجودنا، وهي هجمة خطرة، لكن عبر التاريخ تؤكد التجارب أن الشعوب التي تقاوم وتدافع عن نفسها بإمكانها الانتصار أمام آلة الفتك والدمار، أما التي تختار الخنوع والاستسلام فقد تباد وتنتهي، ولذلك علينا رؤية مصاعب تلك الشعوب وكيف دافعت عن نفسها في أقصى الظروف وأصعبها وبالتالي كيف انتصرت؟
هنا لن ندعي تجاوز كل الظروف، بل أن رؤية الواقع كم هي مطلوبة، أيضاً يجب رؤية الظروف الدولية والإقليمية، لكن إرادة الشعوب ومقاومتها غيرت وتغير الكثير من المعادلات السياسية، كما أنها تجعل من أساليب الحرب النفسية والخاصة بدون جدوى وما فعله مقاتلي ومقاتلات قسد أمام كل الهجمات خير مثال.
غض الطرف عن الإنجازات والتركيز على بعض المسائل الثانوية، والتشهير بعض الشخصيات بطريقة مقصودة، الهدف منها بات واضحاً لكن مع الأسف البعض ينجر ويصبح أداة من غير وعي، ولذلك علينا أن ندرك أنه كلما حدثت أزمة تزداد معها الإشاعات، لكن علينا أن نثق بالإدارة، فمن غير الممكن أن تعمل بالضد من المصلحة العامة، ومن غير الممكن أن تتنازل عن مناطق لصالح النظام أو أي قوة أخرى، وهي تسعى عبر الحوار لتوصل إلى حل سياسي، كما أن تحاول بكل جهدنا لفتح قنوات جديدة مع الخارج، لكن علينا رؤية مخططات الأعداء أيضاً، وكيف يحاولون أغلاق كل الأبواب في وجهنا، فهي باختصار معركة وجود في كافة الجبهات، حيث يتم مجابهة كل الوسائل غير الشرعية، السياسية والثقافية والإعلامية، ويجب ان لا نصدق أن كل موقع أو قناة كردية مثلاً تعمل للمصالح الوطنية، فبعضها تخدم الأعداء رغم أنها تتدعي غير ذلك، بل أنها تدار من مراكز أمنية واستخباراتية خبيرة في التضليل.
مناطق شمال وشرق سوريا مستهدفة ويشن عليها هجمات بمختلف الوسائل، حيث يستغل في تلك الهجمات الدين أيضاً ولأغراض سياسية، كما يتم استهداف المكونات وبشكل خاص المكون العربي لأحداث شرخ وتأليب ذلك المكون على الإدارة ومالم يستطيعوا تنفيذه في بدايات الثورة بمنطقة تل حميس وتل براك ومناطق الحسكة يحاولون تنفيذه الآن في الرقة ومنبح والطبقة ودير الزور، لكن وعي المكونات أفشلت تلك الهجمات حتى الآن رغم خطورتها.
هناك مسألة أخرى مهمة وهو استهداف السياسيين والمناضلين الذين لعبوا أدوار مهمة في بداية الثورة، خاصة الذين تركوا حياتهم الشخصية وتفرغوا للنضال ولا يهمهم الأموال والمغريات، ويمتلكون روح فدائية مضحية في كل وقت على عكس قيادات أحزاب لا تهما سوى مصالحها الشخصية والعائلية، بل أن العديد من الوثائق أثبت أن بعض العائلات التي تسيطر على أحزاب كردية وتتدعي أنها متمسكة بالنهج القومي لها ملايين دولارات في البنوك الغربية، رغم ما يعانيه الشعب الكردي من ويلات ومصائب، لكن بدل التركز على هذه العائلات التي تنهب يتم استهداف شخصيات لا تملك ولو منزل صغير في قرية نائية، بل أن الكثير من هذه الشخصيات ضحت بأجزاء من أجسادهم في معارك الحرية.
أيضأً مسألة تجنيد القاصرين والقاصرات ضمن الشبيبة الثورية في شمال وشرق سوريا، والترويج لها في بعض القنوات، هي مسألة مدروسة ومقصودة، رغم أن قسد أعلنت موقفها صراحة ووقعت على اتفاقيات دولية تمنع تجنيد من هم تحت السن القانونية، لكن ذهاب قاصر إلى قطعة عسكرية وبقائه لساعة واحدة هناك قبل أن يتم إعادته إلى أهله قد تصبح حديث الساعة للقنوات المعادية.
باختصار حركة تحرير الوطنية الكردية تملك اليوم تنظيم قوي ومؤثر في منطقة الشرق الأوسط واستطاعت إقامة أوسع تحالف بين القوى الديمقراطية التي تمثل مختلف المكونات، ولذلك فإن استهدافها من قبل القوى المعادية والدكتاتورية شيء طبيعي، والصراع ليس محصوراً ضد قوى إقليمية بل مع نظام عالمي كان وما يزال مسؤولا عن تشتتنا ككرد من أجل مصالحه السياسية والاقتصادية، فالأفكار القوموية والشوفينية من الناصرية إلى البعثية والكمالية كلها كان بدعم من أنظمة دولية كانت تتحكم بالمنطقة.
واستهداف هذه الحركة عن طريق الحروب التقليدية والقتل والدمار وخلال 4 عقود الماضية لم تفلح ولم تحقق لهم ما يردون لذلك لجوء إلى حروب من نوع أخر وفي كافة المجالات وبالأخص الحرب النفسية والخاصة التي تستهدف ذهنية المجتمع بالدرجة الاولى.