د.أحمد سينو ــ
وَسْطَ أحداث عاصفة في منطقة الشرق الأوسط، والتوترات الإقليمية في سوريا والعراق وأحداث غزة بعد الاجتياح الإسرائيلي، تتوالى الضربات الإسرائيلية في دمشق، بعد ضرب السفارة الإيرانية ومقتل عدد من المسؤولين الإيرانيين، ووسط التهديد التركي وشن هجمات على باشور كردستان في متينا وتوجيه المدفعية والمسيرات التركية على شمال شرقي سوريا واستمرار استهداف المنشآت النفطية والمدنية والاقتصادية، ووسط حُمَّى الردود الإيرانية وشن هجمات على إسرائيل بمئات الصواريخ والمسيرات، والرد الإسرائيلي المحموم في وسط إيران واستهداف مدينة اصفهان. في غمرة هذه التوترات، تتوارد الأنباء عن زيارة هامة للرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى واشنطن في الولايات المتحدة الأمريكية واللقاء مع الرئيس الأمريكي جو بايدن الذي تولى الرئاسة عام 2020م.
في هذه الأجواء يتوقع المراقبون تحسن العلاقات بين الجانبين في إشارة إلى موافقة البرلمان التركي على انضمام السويد لحلف الناتو بعد تأخير دام أكثر من 20 شهرا ً، مقابل حصول تركيا على 40 طائرة أمريكية إف16 بقيمة 23 مليار مع قطع الغيار بقيمة 20 مليار دولار، وترغب الولايات المتحدة الأمريكية في تعزيز العلاقات مع تركيا التي تغطي فشلها في الانتخابات البلدية بشن هجمات جديدة على مناطق تواجد القوات الشعبية الكردية (الكريلا) في جنوب كردستان رغبة منها في صرف أنظار الداخل التركي المتأزم اقتصادياً الذي يعاني التضخم المتفاقم الذي بلغ أكثر من 80% وانهيار الليرة التركية أمام الدولار، كما يهدف أردوغان في شرعنة احتلاله لأراضي جنوب كردستان وإقامة القواعد فيها التي بلغت أكثر من 80 قاعدة عسكرية تركية بلغت حدود دهوك ومدينة شنكال، وزيارته لبغداد وأربيل جاءت لمناقشة ملف حزب العمال الكردستاني ومحاولة القضاء عليه وتصفيته وإقامة منطقة عازلة يسميها بالحزام الأمني على طول الحدود العراقية التركية بالتعاون مع الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان، كما يخطط لجعل هذه الحرب الدائرة حاليا حرب كردية – كردية في محاولة منه لجر حزب الاتحاد الوطني الكردستاني في السليمانية للانضمام إلى صفه مع الحكومة العراقية وحكومة اقليم كردستان، ويطلع في نفس الوقت على نتائج زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني لواشنطن ومنها جس نبض الموقف الأمريكي من هذه الزيارة الإقليمية إلى بغداد، خاصة وأن زيارته المرتقبة إلى واشنطن ستكون في 9 مايو /أيار، ومرة ثانية سيكون ملف حزب العمال الكردستاني من أولى أهدافه وأجنداته، التي يأمل أن يجد لها حلاً في زيارته إلى الولايات المتحدة الأمريكية مع قوات قسد ووحدات الحماية الشعبية ووحدات حماية المرأة التي تضعها تركيا في نفس كفة الميزان وتعدها منظمات إرهابية، بينما تختلف معها الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر قوات قسد ووحدات الحماية قوات حليفة قدمت عشرات الآلاف من الشهداء وعملت على تطهير المنطقة من تنظيم الدولة (داعش ) حتى آخر معاقله في الباغوز.
لقد مهد لهذه الزيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان مع الوزير الأمريكي بيلكن في شهر آذار الماضي في واشنطن، المتوقع حدوث تغيرات سياسية وعسكرية في منطقة الشرق الأوسط بعد هذه الحمى العاصفة بين إيران وإسرائيل وحماس وفيلق القدس والهجمات التركية على المناطق الكردية في جنوب كردستان، والهجمات الإسرائيلية على أصفهان وشن تركيا هجمات مسعورة على المدنيين والمنشآت في شمال وشرقي سوريا، ستتمخض عن اتفاقات وتوافقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والقوى الإقليمية مثل إيران وتركيا والحكومة العراقية والقوى المحلية الكردية في مناطق الإدارة الذاتية ومن ضمنها قسد ووحدات الحماية الكردية، إثر مد وجزر وتجاذبات بين هذه الأطراف. فتحرك الرئيس التركي إلى بغداد وأربيل وعقد صفقات أمنية واقتصادية مثل نفط الإقليم وطريق التنمية إلى الخليج وميناء الفاو، لتعزيز موقفه في الداخل التركي، وتكون ورقة في مواجهة الولايات المتحدة أنه لايزال قادراً لنيل مكتسبات يتخلص فيها من أزماته المالية والاقتصادية رغم سوء وضعه الحالي بعد الانتخابات البلدية الأخيرة في 31 آذار، والمرجح أن الرئيس التركي سوف يقدم تنازلات مهمة ترضي الولايات المتحدة ليحصل على قروض ومبالغ بالمليارات من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وحجم طلب تركيا يزيد عن 18 مليار دولار، لأن اكثر ما يشغل تركيا هو الملف الأمني والملف الاقتصادي الذي هز أركان شعبية أردوغان، وسوف تضغط الولايات المتحدة على التجارة التركية وشركاتها مع روسيا بخصوص المواد الكيميائية ذات الاستخدام المزدوج، وفي مقاربة الكفة سوف تكون لصالح ترجيح كفة الولايات المتحدة في استمرار العلاقة مع تركيا خاصة أن الولايات المتحدة تسعى إلى تحقيق استقرار في منطقة الشرق الأوسط في ظل سعي أمريكي إلى إعادة تموضع قواتها في سوريا والعراق وبتنسيق مع تركيا الأطلسية، ربما يكون له آثاره الإيجابية على شمال شرقي سوريا، بعد تراجع حزب العدالة والتنمية في المرتبة الثانية بعد الحزب الجمهوري وتراجع الإسلام السياسي في الشرق الأوسط وفوز الكُرد بالكثير من البلديات في الولايات الشرقية في كردستان الشمالية، خاصة في تركيا وإيران بسبب عجزهم تقديم الحلول للأزمات الاقتصادية والمالية والقضاء على البطالة، ستكون أوراق ضغط لصالح الولايات المتحدة بالحصول على مزيد من التنازلات من تركيا. تقوم الدولتان كل من تركيا وإيران بتشجيع الحركات الإسلامية المتطرفة كداعش وحماس والجهاد وغيرها، لضرب استقرار المنطقة وممارسة الضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، كما وتتلقى إيران ضربات متتالية في دمشق وفي أصفهان، مما يهيئ الظروف لتحقيق الاستقرار في الشرق الأوسط وهذا في المنظور القريب مسعى أمريكي، كما أنه من المتوقع من الرئيس التركي أن يقف في لقائه مع الرئيس الأمريكي على حرب غزة، دون الدخول في تفاصيل إنما التوافق على إقامة حل الدولتين بما يخص القضية الفلسطينية لتحقيق السلام في الشرق الأوسط والغالب أيضاً أن يتم التوقف على العملية العسكرية التركية في جنوب كردستان، بموافقة الحكومة العراقية وموافقة اقليم كردستان والحزب الديمقراطي الكردستاني ومحاولة جر الاتحاد الوطني الكردستاني في ذات العملية المشار إليها في سياق الشرعنة الدولية أمام الولايات المتحدة الأمريكية لعملية الاحتلال التركي الذي من المتوقع أن تعطي الولايات المتحدة الضوء الأخضر بمعزل عن قوات سوريا الديمقراطية، لقاء تنازلات تركية تعود بالنفع إلى استقرار شمال شرقي سوريا، إذ لا تعد أمريكا قوات قسد ووحدات الحماية (إرهابية)، في إطار التمهيد واعادة التموضع لكافة القوى السورية والمحلية والاقليمية لحل الازمة السورية، لتكون الادارة الذاتية الديمقراطية نموذج حل لكافة المقاطعات والمكونات السورية، وقد تكون حملات رفع العزلة عن القائد أوجلان آتت ثمارها عالمياً ودولياً ويتم على الأقل التخفيف منها ومن التضييق عليه وفق مبادئ حقوق الإنسان وميثاق الأمم المتحدة، فحزب العمال لم يكن يوماً حزباً إرهابيا لا دولياً ولا إقليمياً، كان دائماً يمد أواصر الصداقة مع الجمهورية العراقية ومع الجمهورية العربية السورية ومع الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولايزال صديقاً للشعوب التركية عدا الطغمة الفاشية التي تتنكر لحق الشعب الكردي والشعوب التركية الأخرى.
من الآمال والتوقعات أن تكون التغيرات الإقليمية إيجابية لصالح استقرار المنطقة خاصة في شمال شرقي سوريا، وأن تتوقف الهجمات التركية على جنوب كردستان وعلى متينا وعلى المنشآت الخدمية والصناعية والمدنية في شمال شرقي سوريا ومناطق الإدارة الذاتية التي ستخوض تجربة ديمقراطية حرة في الانتخابات البلدية التي سوف تسهم بفعالية في استقرار المنطقة.