مصطفى عبدو
الغزو التركي لسوريا والذي حدث في ظل وجود قوى عظمى بدأ من مطابخ (موسكو – واشنطن) لأن خطوة كهذه تستلزم قراراً منهما وهما الوحيدتان القادرتان اليوم على إنهاء آثار هذا الاحتلال بقرار آخر منهما.
فحرص روسيا الذي تعبر عنه غير مرة ومن دون مناسبة على وحدة الأراضي السورية وعلى إنهاء جميع أشكال الوجود العسكري غير السوري يتطلب من جملة ما تتطلب وجود دولة ذات سيادة ومؤسسات قوية واقتصاداً متيناً وسليماً ومعافى فوحدة الأراضي السورية لا يمكن أن يتحقق في ظل النهب التركي والاستباحة القائمة عبر “الجدار الطيب “بين تركيا والشمال السوري المحتل,وقد يأخذ المتتبع على روسيا وأمريكا استمرارهما في غض الطرف عن الاحتلال التركي بعدما استشرى وتمدد وتوسع كماً ونوعاً, ومهما يكن من الأمر فقد بدأ الغزو التركي يأخذ أشكالاً خطيرة لا تحتاج إلى أدلة وبراهين وأمام هذه الخطورة تقف مكونات الشعب السوري عاجزة تنظر إلى الخطر المداهم ولا تدري كيف تتصرف, فماذا نملك من الوسائل لنجابه بها هذا الاحتلال؟
وهذا السؤال يجب أن يشكل في مجمله هماً سورياً ينبغي أن لا يبقى في إطار منطقة معينة أو بقعة جغرافية معينة أو يتم انتظار وصول “ترياق” موسكو أو واشنطن الذي قد يأتي وقد لا يأتي.
قد لا يجد الغزو التركي لسوريا في واشنطن أو في موسكو آذاناً صاغية في هذه المرحلة على الأقل لأن لواشنطن أولوياتها في سياستها الشرق أوسطية ولها هموماً أخرى ربما تطغى على هذا الجانب وهي التي تتعامل مع قوات سوريا الديمقراطية التي جعلت شمال وشرق سوريا المنطقة الأكثر استقراراً في سوريا على أنها مجرد أداة لمحاربة “داعش” فقط, وفي المقابل قد تكون لروسيا همومها هي الأخرى مما يجعلها تبتعد عن الحديث في هذا الموضوع لحاجتها إلى أمور أكثر أهمية وأكثر فائدة . توقعت روسيا سقوط مناطق الإدارة الذاتية بسهولة تحت سيطرة الحكومة السورية، بالطريقة التي انهارت بها حلب أو حمص بمجرد خروج الجيش الأمريكي واستسلام قسد لكن هذا لم يحدث. فبدلاً من السقوط والاستسلام واصلت الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا سياستها المبنية على التعايش المشترك وحافظت على هيكليتها قاطعة أشواطاً نحو الديمقراطية الحقيقية. وواصلت جميع مؤسسات الإدارة الذاتية عملها بإرادة صلبة من مكونات المنطقة وفي تحدٍ واضح.
بين الموقف الروسي الغامض والأمريكي المراوغ ومحاولاتهما المستمرة استغلال التهديدات التركية لشمال وشرق سوريا، نستطيع أن نؤكد أن كل ما جرى و يجري في سوريا هو بموافقة روسيا وواشنطن في الأحوال العديدة، وليس للحكومة السورية موقف ذاتي تجاه المسائل المتراكمة فهي مازالت تعيش على أحلام الماضي. والحوار الذي أبدت روسيا استعدادها لاستكماله بين الحكومة السورية والإدارة الذاتية الديمقراطية لشمال وشرق سوريا لا يزال عالقًا، لأن جهود روسيا ومزاجيتها لم ترقَ إلى طبيعة المرحلة..
خلاصة القول أن جميع المكونات السورية مدعوة في هذه المرحلة إلى التنبه للأخطار وتعزيز الإدارة الذاتية الديمقراطية وحشد كل الطاقات لموجهة خطورة القادم من الأيام..