المرأة من منظور الأديان السماوية

لقمان عبد الله
عندما نذكر المرأة، فإننا بصدد الحديث عن قضية لا تقل في الأهمية عن قضايا التحرر الوطني وكذلك ثورات وانتفاضات التغيير عبر التاريخ، فمن المعلوم أن الأنثى قد رافقت الذكر منذ بدء الخليقة وما تزال ترافقه إلى آخر الدهر، وإن كان الرجل هو الأصل في الأنساب والانتماءات العرقية فهذا دليل على مدى التشويه الذي طرأ على المجتمعات البشرية عبر مسار التاريخ وبهيمنة وتسلط رجولي واضح، ولم تطرأ تلك التغيرات على التجمع البشري إلا منذ فترة قصيرة وتحديداً منذ التحول من عصر الأمومة إلى عصر الرجولة والسلطة، أي ما يقارب السبعة آلاف سنة، فالمرأة التي كانت الأصل في اكتشاف كل شيء، من الزراعة إلى تربية الدواجن إلى الموسيقى والطب، انتهى بها المطاف إلى أن تكون لعنة وجارية أو ليست انساناً، وأصبحت عَبْدَةً لسلطة الرجل والمجتمع ولا تزال كذلك حتى يومنا الراهن مع اختلاف بعض المعطيات والتسميات، ولعل المراحل التي ظهرت فيها المعتقدات ونزلت فيها الرسالات السماوية كانت ذات أبعاد متباينة في حل قضية المرأة، وقد تعامل كل منها بطريقة خاصة مع ملف المرأة.
وُصفت مجتمعات الشرق الأدنى القديمة بأنها مجتمعات أبوية، والكِتاب المقدّس وثيقة أبوية كتبها رجال من العصر الأبوي. تُفضّل أحكام الزواج في الكتاب المقدس الرجال وكذلك أحكام الإرث، وقد عاشت النساء تحت قوانين صارمة للسلوك الجنسي، إذ كانت عقوبة الخيانة الزوجية الرَّجْم. وكانت المرأة في زمن الكتاب المقدس مقيدة بأحكام طهارة صارمة، سواءٌ أكانت طهارة شعائرية أو أخلاقية.
ففي العهد القديم نرى أن الرجل لا يُحسب من عشيرته ولا يكون له حصة إذا لم يكن له بنين، فقد جاء في سفر (الإصحاح) العدد السادس:
2وَوَقَفْنَ أَمَامَ مُوسَى وَأَلِعَازَارَ الْكَاهِنِ وَأَمَامَ الرُّؤَسَاءِ وَكُلِّ الْجَمَاعَةِ لَدَى بَابِ خَيْمَةِ الاجْتِمَاعِ قَائِلاَتٍ: 3«أَبُونَا مَاتَ فِي الْبَرِّيَّةِ، وَلَمْ يَكُنْ فِي الْقَوْمِ الَّذِينَ اجْتَمَعُوا عَلَى الرَّبِّ فِي جَمَاعَةِ قُورَحَ، بَلْ بِخَطِيَّتِهِ مَاتَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ بَنُونَ. 4لِمَاذَا يُحْذَفُ اسْمُ أَبِينَا مِنْ بَيْنِ عَشِيرَتِهِ لأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ابْنٌ؟
كذلك نرى أن الرجل الذي يُقتل على يد المرأة يكون منبوذاً حيث جاء في سفر القضاة “الإصحاح” التاسع:
52ــ فَجَاءَ أَبِيمَالِكُ إِلَى الْبُرْجِ وَحَارَبَهُ، وَاقْتَرَبَ إِلَى بَابِ الْبُرْجِ لِيُحْرِقَهُ بِالنَّارِ. 53فَطَرَحَتِ امْرَأَةٌ قِطْعَةَ رَحًى عَلَى رَأْسِ أَبِيمَالِكَ فَشَجَّتْ جُمْجُمَتَهُ. 54فَدَعَا حَالاً الْغُلاَمَ حَامِلَ عُدَّتِهِ وَقَالَ لَهُ: «اخْتَرِطْ سَيْفَكَ وَاقْتُلْنِي، لِئَلاَّ يَقُولُوا عَنِّي: قَتَلَتْهُ امْرَأَةٌ». فَطَعَنَهُ الْغُلاَمُ فَمَاتَ.
وقد كانت المرأة التي تضع مولودها نجسة بالنسبة إليهم فقد جاء في سفر اللأويين “الإصحاح” الثاني عشر:
1وَكَلَّمَ الرَّبُّ مُوسَى قَائِلاً: 2«كَلِّمْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَائِلاً: إِذَا حَبِلَتِ امْرَأَةٌ وَوَلَدَتْ ذَكَرًا، تَكُونُ نَجِسَةً سَبْعَةَ أَيَّامٍ. كَمَا فِي أَيَّامِ طَمْثِ عِلَّتِهَا تَكُونُ نَجِسَةً. 3وَفِي الْيَوْمِ الثَّامِنِ يُخْتَنُ لَحْمُ غُرْلَتِهِ. 4ثُمَّ تُقِيمُ ثَلاَثَةً وَثَلاَثِينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا. كُلَّ شَيْءٍ مُقَدَّسٍ لاَ تَمَسَّ، وَإِلَى الْمَقْدِسِ لاَ تَجِئْ حَتَّى تَكْمُلَ أَيَّامُ تَطْهِيرِهَا. 5 ــ وَإِنْ وَلَدَتْ أُنْثَى، تَكُونُ نَجِسَةً أُسْبُوعَيْنِ كَمَا فِي طَمْثِهَا. ثُمَّ تُقِيمُ سِتَّةً وَسِتِّينَ يَوْمًا فِي دَمِ تَطْهِيرِهَا.
هذه بعض الأمثلة على نظرة التوراة للمرأة مع أنه أعطاها مكانة مميزة في بعض الحالات ولكن هذا لم يمنع التعامل معها كتابع للرجل ومن ممتلكاته.
موقف الديانة المسيحية من المرأة:
اعتبر رجال المسيحية الأوائل المرأة هي السبب الرئيسي في انحلال المجتمع في العصر الروماني، وإنها وراء انتشار الفواحش، وذلك بسبب ما رأوه من حرية تتمتع بها المرأة وتمتعها باللهو وتختلط بمن تشاء من الرجال، فاعتبروا أن الزواج دنس من عمل الشيطان يجب الابتعاد عنه وأن الأعزب أكرم عند الله من المتزوج. وقالوا إن المرأة باب الشيطان وأنها يجب أن تستحي من جمالها لأنه سلاح إبليس للفتنة والإغواء، فقال القديس “ترتوليان”: إنها مدخل الشيطان إلى نفس الإنسان، ناقضة لنواميس الله، مشوهة لصورة الله”.
وقال القديس “سوستام”: إنها شر لا بد منه وآفة مرغوب فيها وخطر على الأسرة والبيت ومحبوبة فتاكة ومصيبة مطلية مموهة …”
وقال الكتاب المقدس “لتصمت نساؤكم في الكنائس لأنه ليس مأذونا لهنّ ان يتكلمن بل يخضعن. (1Cor:14:34)
وجاء أيضاً: ولكن إن كنّ يُرِدْنَ أن يتعلمن شيئاً فليسأَلْنَ رجالهنّ في البيت لأنه قبيح بالنساء أن تتكلم في كنيسة”.
ومما جاء بالكتاب المقدس قول الله “لتتعلّم المرأة بسكوت في كل خضوع. ” 1Tm:2:11))
ونظرَ الدين المسيحي الى المرأة نظرة منحطة، فقد جاء بالكتاب المقدَّس قوله: “وإذا باع رجل ابنته أَمَةً؛ لا تخرج كما يخرج العبيد. Ex:21:7) )
كما فرض الحجاب والنقاب على المرأة المسيحية، فقد جاء في الآية: وأما كل امرأة تصلّي أو تتنبأ ورأسها غير مغطى فتشين رأسها لأنها والمحلوقة شيء واحد بعينه. (1Cor:11:5)
وفي القرن الخامس الميلادي اجتمع مؤتمر (ماكون) للبحث في مسألة: هل المرأة مجرد جسم لا روح فيه؟ أم لها روح؟ … وخرج بنتيجة أن جميع النساء المسيحيات سوف يدخلن جهنم، بقوله: إنها خالية من الروح الناجية من عذاب جهنم، ما عدا أم المسيح…”
وفي عام 568 عقد الفرنسيون مجمعاً لدراسة ما إذا كانت المرأة إنساناً أو غير إنسان، وخرجوا بنتيجة مفادها “أنها إنسان خلقت لخدمة الرجل”.
وظلت المرأة يُنظر لها باعتبارها قاصراً لا يحق لها أن تتصرف بأموالها دون إذن ولي أمرها الرجل “زوجاً كان أو أباً أو أخاً” وفي حال عدم وجود أي منهم يكون كاهن الكنيسة وليها لقرون عديدة.
وحتى بداية القرن الثامن عشر كانت المرأة وفق الديانة المسيحية لا مكان لها ولا أدنى قيمة، بل تُباع وتُشترى، وقد جاء في القانون الانجليزي عام 1805 كان يبيح للرجل أن يبيع زوجته، وقد حدد ثمن الزوجة بستة بنسات، (بشرط موافقة الزوجة).
وتذكر كتب التاريخ أن الكنيسة نفسها كانت تبيع النساء، وفي حادثة تقول: إن إحدى الكنائس البريطانية باعت امرأة ب (شلنين) لأنها كانت تعيش عالة في بيت الرب.
حتى الثورة الفرنسية في نهاية القرن الثامن عشر لم تتخلص من إرث الديانة المسيحية، فمع أنها أعلنت تحرير الإنسان من العبودية، إلا إنها لم تشمل المرأة، حيث نص القانون الفرنسي على أن المرأة ليست أهلا للتعاقد دون رضى وليها إن لم تكن متزوجة.
أما الإسلام فقد جاء منصفاً للمرأة بالمقارنة مع غيره من الديانات السماوية طبعاً إذا حيدنا بعض المذاهب الفقهية المتطرفة والمريضة عن ساحة التشريع الإسلامي ووقفنا بشكل عقلاني على التفسير الواقعي والمقبول للآيات غير واضحة الدلالة، فقد تم تفسير تلك الآيات حسب رغبة أصحاب السلطة والنفوذ أو استكمالاً للمواقف التي اتخذتها الأديان السابقة في عدد من القضايا ومن ضمنها التعامل مع المرأة، وإذا ما تذكرنا دور النساء في نشر الدين الإسلامي والمكانة المرموقة التي حظيت بها المرأة الحرة بعد أن كانت جارية وعبدة لا تملك أي حق في إدارة نفسها، ومشاركتها في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ونوعاً ما العسكرية، إلا أن صفة السبي وتعدد الزوجات وعدم المساواة في الميراث كما في قوله تعالى :
يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ / سورة النساء – الآية 10
وأن تحسب شهادة امرأتين كشهادة رجل واحد كما جاء في قوله تعالى:
وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ / سورة البقرة – الآية 282.
جعلت من الدين الإسلامي يأخذ طابعاً مجحفاً بحق المرأة طالما بقيت تلك الأمور دون حجج واقعية مقبولة في زمننا الحاضر.
ومن هنا نرى أن المرأة كانت ضحية للتعامل من قبل رجال الدين سواء كان ذلك عبر آيات صريحة وواضحة أو تفسير وتأويل بعض الآيات الغامضة بما يتوافق مع النظرة الدونية لكيان المرأة، وقضية المرأة لا تزال معلقة وبحاجة إلى تفعيل منطقي وواقعي بحيث لا تتحول إلى سلطة مستغلة ترد على الظلم والاضطهاد بطريقة مشابهة! وإنما يجب مراعاة الكيان الأنثوي الحقيقي والذي يتناغم مع عطاء الطبيعة وجمالها، والأصل في كل ذلك هو تحرر المرأة وليس تشبهها بالرجل أو المغالاة في ممارسة الحقوق بما يتنافى مع التقاليد والأعراف وأخلاقيات المجتمعات المتنوعة، فها هي المرأة تشارك الرجل في ساحات القتال حتى تكاد تتغلب عليه في بعض المجالات، وتحارب التنظيمات الإرهابية المتطرفة والتي تحاول العودة بالفكر الانساني إلى عصور الانحطاط بحجة تطبيق الشرائع الدينية والمثال الحاضر أمامنا هو تنظيم داعش الذي يحاول تشويه صورة الإسلام الحقيقي وفرض الدين عن طريق الترهيب والمذاهب التكفيرية المتطرفة، ولعل اسطورة السبي المنقرضة والتي أعاد داعش احياءها مثال واضح وصريح على الهدف الحقيقي من ظهور هكذا تنظيمات إرهابية متطرفة في عصرنا الراهن وتلك الجرائم غير مقبولة أبداً لدى المجتمعات البشرية المتحضرة وأيضاً لدى الأديان التي باتت تتقرب بشكل أفضل من القضايا المجتمعية عمّا كانت عليه إبان ظهورها.