فوزي سليمان
يجمع الجميع على أن الأزمة في سوريا قد دخلت مرحلة جديدة بعد سقوط نظام الاسد، لتتوجه الانظار نحو الحكومة الجديدة المؤقتة وتضعها تحت مجهر يتعقب أفعالها على الأرض وفي أجواء تشهد فيه المنطقة بشكل خاص والعالم عموماً تقلبات سياسية غير مستقرة، وفي وقت تحيط بهذه الحكومة وقياداتها إشارات استفهام عديدة نظراً لتاريخها الذي يعود بجذوره الى تنظيمات القاعدة، رغم التصريحات التي أدلى بها قادتها في أكثر من مناسبة فك ارتباطهم بتنظيم القاعدة، الا أن ذلك لم يطمئن العديد من الجهات على حد سواء الداخلية والخارجية، حيث أجمع الجميع على أنهم سيتابعون أفعال هذه الحكومة المؤقتة وليس الأقوال، ولن نغالي ان قلنا أنه مطلب داخلي سوري ومحلي شرق اوسطي وعالمي صائب. لتجد هذه الحكومة المؤقتة نفسها وجهاً لوجه أمام ملفات وقضايا كبيرة جداً ومعقدة جداً، والأنكى من هذا وذاك وجدت نفسها أمام تجاذبات دولية متناقضة وبمعنى أدق متصارعة لكل منها غاية في نفس يعقوب، ووضعت هذه الحكومة أمام اختبار لا تحسد عليه، وبنفس الوقت أمام مغريات عديدة اقتصادية وسياسية مشروطة ومغلفة بمحظورات أقرب الى التهديد غير المباشر. لتضحى أمام واقع لا مفر من خوض تلك التحديات شأت أم أبت .
هنا وكأول خطوة كان لابد للحكومة المؤقتة والفتية وقبل أي شيء آخر، أن تقوم بقراءة واقعية للمصالح الدولية المتشابكة والمتنافرة في سوريا بشكل خاص والعالم عموماً، وعدم تجاهل حقيقة مكونات سوريا الاثنية والدينية والمذهبية، وقبل هذا وذاك كان من الأجدر ضبط خطاب الحكومة والفصائل المنضوية فيها، حيث يمكننا وصفها بأنها كانت غير متناسقة ومتناقضة وفي أكثرها كان يفوح منها أسلوب وخطاب الجماعات الاخوانية والقاعدة المعروفة بالوعيد والتهديد، والتي لا تختلف كثيراً عن خطاب البعثيين وٱل الأسد الفارين، لتدخل غفلة الوهم من أوسع أبوابه وتغوص في سكرات النصر الخادعة …! لاعتقادها أنها وبمجرد دخولها القصر الرئاسي أضحت الآمر الناهي في كل شيء وما تبقى عليهم تقديم الولاء والطاعة، لتتعثر في أولى خطواتها رغم توافد العديد من القوى الدولية اليها وبشكليه المباشر وغير المباشر لحثها على خطو خطوات ايجابية تعتمد التشاركية المجتمعية أساسا في القرار والسلطة، الا أنها – القوى الدولية – على ما يبدو تحفظت مؤخراً على وعودها ويعود ذلك الى أسباب عديدة ولن نحملها الى أطراف خارجية رغم وجودها وفاعليتها، الا أنها أسباب ممارساتية داخلية خالصة وخاطئة ونابعة من منظومة فكرية لا تتماشى وحقيقة العصر الذي نحن فيه، وعلى هذا الأساس سنقوم بسردها بشكل مكثف. وهدفنا هو تقويم الاخطاء وتجنب العثرات.
لا يخفى على أحد شكل وجوهر النظام التوليتاري الفار والبائد وسياساته وخطابه المعتمد كليا على الطائفية – رغم براءة طائفته منها كبراءة الذئب من دم يوسف – والمغلفة بشعارات مزيفة كمحور الممانعة والمقاومة والى ما لا نهاية من شعارات التي أضحى الشعب السوري يتقيأ دماً منها، هنا كان على الحكومة المؤقتة تبني خطاب يلبي طموحات الشعب السوري بكافة مكوناته وأطيافه ويطمأنهم ويزيل الهواجس عن أنفسهم ليجدوا أنفسهم مسؤولون فاعليين في اعادة ترميم وبناء البلاد والانسان، الا أنه ومع الأسف وقعت الحكومة المؤقتة في فخ الخطاب الطائفي والمذهبي لتجر البلاد والمكونات فيها الى التقوقع على ذاتها والبحث عن سبل مختلفة لحماية نفسها، في حين كان الجميع يأمل خيراً بعد رحيل النظام الاسدي، وفرحة وغبطة أبناء البلاد بفرار الأسد الابن كانت ولا تزال تؤكدا هذه الحقيقة، الا أنه ونتيجة للممارسات الخاطئة أقحم الجميع في صدمة عنيفة غير متوقعة، ولقد عززت الأحداث الأخيرة في الساحل السوري اللا ثقة لدى الجميع وذلك بعد استهداف الطائفة العلوية دون غيرها ومن المدنيين تحت أسم ملاحقة فلول النظام ، لتضاف مأساة دموية أخرى الى تاريخ سوريا، ولتأخذ الكثيرين الى مواقع متشنجة مضادة حتى. وجاءت مبادرة قوات سوريا الديمقراطية من خلال التوقيع على اتفاقية معروفة للجميع مع الحكومة المؤقتة بمثابة طوق النجاة للحكومة الا أنها استمرت ولا تزال مستمرة في ممارساتها المرفوضة جملةً وتفصيلاً، ولتزيد الطين بلة ألحقتها بالاعلان الدستوري والتوقيع عليه، لتؤكد توجه الحكومة المؤقتة الصارخ نحو تمثيل مجموعة بعينها دون غيرها وحتى لا يمكننا تسميتها بدستور مذهبي لانه وبصريح العبارة حتى أغلب السنة أيضاً يرفضون شكل وجوهر ومضمون ما جاء في الدستور والذي لن نخوض فيه، فما باللك بالمذاهب والديانات والطوائف والأقوام الأخرى ، ولن نخوض بنفس الشكل في التشكيلات الأخرى مثل الجيش ( السوري …! ) المتعدد الجنسيات والذي اوكلت لهم المفاصل القيادية فيها. يبدو من هذا السرد المبسط ان الحكومة المؤقتة لا تزال تتبع اسلوب الجماعة – جبهة النصرة – في إدارة البلاد فسوريا أكبر من أن تدار بعقلية جماعة واكبر من تمثل في دستور مذهبي ضيق، فالشعوب تقاد بذاتها ولذاتها واعتمادا على حقيقتها.
رغم كل شيء ورغم العثرات المتتالية التي منيت بها الحكومة المؤقتة وفي العديد من الملفات، لا تزال الفرصة متاحة لها لتقويم الاخطاء وذلك من خلال عدم تهميش مطالب الشعب السوري بكافة مكوناته واطيافه ، ليس هذه فحسب بل تمثيل حقيقة الشعب السوري المعروف بقابليته اللامحدودة للتطور وعدم الانجرار نحو المنظومات الفكرية الجامدة والمعلبة والتي لا تغني عن شيء. ان تمثيل سوريا شعوبا وجغرافيا يتطلب جرأة عظيمة تتخطى مفهوم أمة عربية واحدة ، ذات رسالة واحدة ، وتتخطى الاطر الدينية والقومية الضيقة فسوريا اكبر بكثير من كل ذلك .