سليمان أفرو
في حضرة نيسان، شهر التجدّد والبعث، تهبّ نسائم الروح من أعماق التاريخ، حاملة إلينا عيداً له قدسيته العريقة ومعانيه المتجذرة في الوجدان الكردي، “الأربعاء الأحمر” – جارشمە سور، العيد الأقدس لدى أبناء الديانة الإيزيدية، الكرد الأصلاء الذين حفظوا لنا سطورًا من ذهب في سفر الحضارة والروح.
إنّ عيد “الأربعاء الأحمر” ليس مجرد طقس ديني أو مناسبة موسمية، بل هو تجلٍّ لثقافة نورانية ضاربة الجذور، حيث يُعتقد أنه اليوم الذي نزل فيه “الطاووس ملك” – الملاك الأعلى في العقيدة الإيزيدية – إلى الأرض، جالبًا النور والحياة والخلق، في لحظة كونية تتجاوز الماديات، لتضع الإنسان في قلب الخليقة لا كجسدٍ فقط، بل كروحٍ مُكرّمة، ومهمةٍ مقدسة.
يُحتفل بهذا العيد في الأربعاء الأول من شهر نيسان الشرقي، حيث يُنظر إليه كعيد للبدايات، للإزهار، وانبعاث الحياة من رحم الأرض. لهذا، فإنّ “تزيين البيض” هذا الطقس البسيط في ظاهره، يرمز إلى خصوبة الطبيعة وتعدد ألوان الحياة، وكسر قشرة الجمود إيذانًا بخروج الروح إلى أفقٍ من الأمل والتجدد. فالبيض هو رمز البيضة الكونية، ومنه تشكّلت الحياة كما تقول الأساطير الإيزيدية.
وفي لالش النورانية، حيث يقف الزمن بخشوع، تُوقد النيران لا للحرق بل لتنقية الأرواح، وتُربط الخرق الملوّنة على الأشجار، وترتفع الأدعيات في صمتٍ مطهّر يليق بعراقة قومٍ اختبروا الألم وتمسكوا بالنور رغم الظلمات.
هذا العيد يحمل في طياته دعوة صريحة لتعميق قيم الأخوّة بين أبناء الشعب الكردي، بمختلف دياناته ومذاهبه وثقافاته، ويؤكد أن النسيج الكردي يتسع للجميع، وأنّ النور الذي يحمله هذا العيد، ليس حكراً على طائفة، بل ميراثاً حضارياً لكل من حمل اسم كردستان في قلبه.
لقد أثبت إخوتنا الإيزيديون، رغم ما تعرضوا له من محن ونكبات عبر العصور، أنهم حماة للهوية الثقافية الكردية وترسانة للتراث، وروّاد في الإيمان العميق بقوة الإنسان والحق.
ومع هذا العيد لا يسعنا إلا أن نستحضر التضحيات، ونؤكد أن الكرامة لا تُجزأ، وأن العدالة لا تعرف التمييز، وأن صوت لالش هو جزءٌ من صوت جبل قنديل، من عمق دهوك حتى قلب سنجار. ومن آمد الى كرمنشاة مرورا بعفربن وكوباني حتى قامشلو موطن العشاق.