قُرى عفرين تزهو بأشجارها وتفرح لقِطافِ الزيتون، وللأرض في قلوب قاطنيها مكانة خاصة، فقد نسج الناس مع الأرض علاقات ضاربة جذورها في التاريخ منذ السلف، وحول شجرة الزيتون تشكلت حياتهم وبها تمكنوا من الصمود أمام مِحَن الأيام؛ أما شجرة الأماني التي تطلق عليها بالكردية تسمية (دارا مرادا) فيحرص سكان عفرين عليها حرصهم على أولادهم وأن الأجواء التي تحيط بهذه الشجرة استثنائية، حيث يَهبُّ السكان جميعهم من أجل الحفاظ على هذه الشجرة التي يُعَلقُونَ عليها الكثير من الآمال؛ فلقد ارتبطت حياتهم وآمالهم بتلك الشجرة، فيراقب المواطنون نموها بالكثير من الاهتمام، وهي من جانبها لم تخيب يوماً آمالهم؛ فأغصان هذه الشجرة المتفرعة والكثيفة يستغلها السكان من أجل تعليق أمنياتهم عليها، كما أن الرغبة في تحقيق آمالهم تدفعهم للالتفاف على الشجرة والحفاظ عليها, حتى أنها أضحت جزءاً راسخاً في تاريخ عفرين، واليوم يتم حَرْقُ هذه الأمنيات, هذه الشجرة التي أشاحت بوجهها عن القادمين, ولكنها لم تسلم من بربريتهم؛ ليصب أحد الهمج من الذين يَحظَوْنَ بشعبية “طاغية “جام حقده عليها, ليضمها إلى جموع ضحاياه.
نعم إنهم يقتلون الأرض والأخلاق والثقافة وكل شيء هنا وهناك!! ولكنهم لن يستطيعوا أن يقتلوا أحلامنا وأمانينا التي نحلم بها؛ فمازال التاريخ يحمل فوق مناكبه أسماء العظماء الذين سطروا التاريخ بأيديهم ورمموا سفن الثقافة والأخلاق التي تبحر نحو المجد.
فمن يقتل ويفجّر؛ أولئك هُمْ مسلمون يقرأون آيات القتال في القرآن وأحاديث الجهاد، ويحفظون أخبار الفتوحات التي حدثت بحد السيف وسبي النساء عن ظهر قلب.
إنّهم يطبّقون فتاوى علمائهم, ويقتلون بعقيدة الولاء وجاهلية القرون الوسطى وغيرها من العقائد القاتلة التي ينشرونها عبر المدارس والمساجد والإعلام.
إنهم متديّنون جدّاً، ومواظبون على الصلوات والأذكار والنوافل، ويستمدّون أفكارهم من “الفتاوى الكبرى” وتحت راية الدين وباسم الإله يرتكبون أبشع الجرائم.
أما مدينة الزيتون (عفرين) فهي في القلوب وفي العيون وفي كل حين تنادي؛ لقد عاد الطورانيون وكتبوا على جبينهم أنهم السادة الأحرار الفاتحون وأحكموا أغلالهم وقيودهم بدعوى أنهم سيحررون الأرض من الأخلاق ومن المبادئ وبعدها سيرحلون.
لنحاول النهوض ونُثبِتَ للعالم أجمع؛ بأننا قادرون على تخطي الكثير من الحدود السياسية والثقافية والأخلاقية بين الشعوب, ونقوم بِحَملةٍ عنوانها (صناعة مستقبل الشعوب) تكون الأهداف فيها مشتركه بين الشعوب الذين هم عنوان مستقبل المجتمعات، ولنحاول صنع قراراتنا بأنفسنا والحفاظ على إرث الشعوب الذي بدأ يتلاشى مع فساد الأنظمة، وأن ندافع عن القضايا التي تمسُّ جوهر معتقداتنا، ونعيد النسيج الاجتماعي كما كان؛ وأن نحارب معاً الفكر المتطرف؛ لأن وعي المجتمعات لا تكتمل إلا من خلال وعي الفرد نفسه ومسؤوليته تجاه هذا المجتمع الذي يعيش فيه والذي يُحَتِّمْ عليه المساهمة بفضاء يرنو إلى أفق الإنسانية والسير قُدُمَاً نحو عملية صنع مستقبل الشعوب، ولنسعَ معاً إلى إعادة الحياة إلى شجرة الأماني.